وَانْصَرَفُوا أَيْ فَلَا يَرْفَعُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَسْجِدِ سُنَّ لَهُمْ الْأَذَانُ فِي الْأَظْهَرِ.

وَلَا يَرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتَ خَوْفَ اللَّبْسِ عَلَى السَّامِعِينَ وَتُسَنُّ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا.

(وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ) مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا (وَلَا يُؤَذِّنُ) لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمُ يُؤَذِّنُ لَهَا، أَيْ حَيْثُ تَفْعَلُ جَمَاعَةٌ لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ السَّابِقَ فِي الْمُؤَدَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ فِي الْمُؤَدَّاةِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ، يَجْرِي الْقَدِيمُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ، وَيَدُلُّ لِلْجَدِيدِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ، فَدَعَا بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا» ؛ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْمُهَذَّبِ لِلْقَدِيمِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِيهِ: «فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ إلَى آخِرِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَفِيهِ زِيَادَةُ عِلْمٌ بِالْأَذَانِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَقُدِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ الرَّاوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ ابْنُهُ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ لِصِغَرِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSصَلَّتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَانْصَرَفُوا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ، وَالْمَسْجِدَ وَالْجَمَاعَةَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَكَذَا الِانْصِرَافُ وَوُقُوعُ الصَّلَاةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ السَّامِعُونَ، وَلَوْ غَيْرَ الْمُصَلِّينَ أَوْ غَيْرَ الْمُنْصَرِفِينَ. قَوْلُهُ: (دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى) إنْ كَانَ هَذَا الْأَذَانُ قَرِيبًا مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ، أَوْ عَدَمَ دُخُولِ وَقْتِ تِلْكَ الصَّلَاةِ قَبْلَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ أَوَّلِهِ. قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُمْ) أَيْ لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْصَرِفْ الْجَمَاعَةُ الْأُولَى أَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مَكْرُوهَةً.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَرْفَعُ فِيهِ) أَيْ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ الصَّوْتَ فَوْقَ مَا يَسْمَعُونَ. قَوْلُهُ: (خَوْفَ اللَّبْسِ عَلَى السَّامِعِينَ) مِنْ تَوَهُّمِ مَا مَرَّ وَالْمُرَادُ أَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ اللَّبْسُ، فَلَا يُرَدُّ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا عَارِفٌ. قَوْلُهُ: (وَتُسَنُّ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَهُمَا مَسْأَلَةُ الْمُنْفَرِدِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَمَسْأَلَةُ الْجَمَاعَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا) أَيْ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهَا سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤَذِّنُ) أَيْ الذَّكَرُ لَهَا لِأَنَّ الْأُنْثَى لَا يُطْلَبُ مِنْهَا الْأَذَانُ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ السَّابِقَ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْقَدِيمَ هُنَا غَيْرُ الْقَدِيمِ الْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِيُجَامِعَ إلَخْ. لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْقَدِيمَ هُنَا يَقُولُ بِنَدْبِهِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِنَدْبِهِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْمُؤَدَّاةِ فَالْفَائِتَةِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الرَّافِعِيِّ الْمُوَافِقِ لِمَا فِي الْوَجِيزِ. قَوْلُهُ: (مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ) وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الْقَاطِعَةُ النَّافِيَةُ لِلْقَدِيمِ هُنَاكَ الْمُوَافِقَةُ لِلْجَدِيدِ مِنْ الْحَاكِيَةِ

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَخْ) وَلَمْ يُصَلِّ صَلَاةَ الْخَوْفِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ إلَخْ) لَا يُقَالُ هَذَا الْأَذَانُ لِلْحَاضِرَةِ لِأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهَا أَذَانٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ) أَيْ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَوْ أُقِيمَتْ إلَخْ) لَا يُقَالُ يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ لَا بِمَسْجِدٍ إلَخْ، لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ فِيهِ صَوْتَهُ، يُسْتَثْنَى الرَّفْعُ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعُ الْحَاضِرُونَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ.

. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ هَذِهِ وَمَسْأَلَةُ الْجَدِيدِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْأَظْهَرِ تَوْجِيهٌ مُقَابِلُهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ مَدْعُوٌّ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ حَضَرُوا فَكَمَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْأُولَى إذَا حَضَرُوا لَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ إعَادَتُهُ كَذَلِكَ الثَّانِيَةُ لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الدُّعَاءِ بِالْأَوَّلِ، وَوَجْهُ الْأَظْهَرِ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ اسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ آحَادَ الْجَمَاعَةِ بِالْأُولَى قَبْلَ إقَامَتِهَا لَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ أَذَانٌ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يُؤَذِّنُ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ بَعْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا، وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ إنَّ قَيْدَ الْوُقُوعِ مُخْرِجٌ مَا قَبْلَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَذَانُ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ. انْتَهَى. وَقَدْ يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، لَكِنْ يَمْنَعُ مِنْهُ أَنَّ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ فِي الْمُنْفَرِدِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ) أَيْ اتِّفَاقًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ حَيْثُ تَفْعَلُ جَمَاعَةٌ) يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُؤَذِّنُ لِلْفَائِتَةِ لَا فِي الْجَدِيدِ وَلَا فِي الْقَدِيمِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ خَاصًّا بِالْجَمَاعَةِ. نَعَمْ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْهُورِ لَا إشْكَالَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى إطْلَاقِهِ) أَيْ فَلَا يُقَيِّدُ بِالْفِعْلِ جَمَاعَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَّلَ بِهِ التَّقْيِيدَ مِنْ قَوْلِهِ لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ إلَى آخِرِهِ لَا يَأْتِي عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. قَوْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015