لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْكُسُوفِ وَيُقَاسُ بِهِ نَحْوُهُ، وَنَصْبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ.
(وَالْجَدِيدُ نَدْبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) بِالصَّلَاةِ فِي صَحْرَاءَ أَوْ بَلَدٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِينَ، وَكَذَا إنْ بَلَغَهُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الْآتِي، وَالْقَدِيمُ لَا يُنْدَبُ لَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُنْفَرِدِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ كَالْوَجِيزِ وَالْجُمْهُورُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْخِلَافِ، وَأَفْصَحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحِ طَرِيقِهِمْ وَاكْتَفَى عَنْهَا هُنَا بِذِكْرِ الْجَدِيدِ كَالْمُحَرَّرِ. وَيَكْفِي فِي أَذَانِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ.
(وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ) نَدْبًا، رَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، أَيْ سَمِعْت مَا قُلْته لَك بِخِطَابٍ لِي كَمَا فَهِمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَأَوْرَدَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَرَفْعِ صَوْتِهِ بِهِ، وَقِيلَ: إنَّ ضَمِيرَ سَمِعْته لِقَوْلِهِ: " لَا يَسْمَعُ " إلَى آخِرِهِ فَقَطْ. (لَا بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا:
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَأْتِي لِأَنَّ اسْمَ الْمَكْتُوبَةِ خَاصٌّ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْإِطْلَاقِ فَهُمَا حَقٌّ لَهَا أَصَالَةٌ كَمَا مَرَّ. فَلَا يُرَدُّ طَلَبُ الْأَذَانِ فِي أُذُنِ مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ، وَلَوْ بَهِيمَةً أَوْ الْمَغْمُومَ أَوْ الْمَصْرُوعَ أَوْ الْغَضْبَانَ أَوْ عِنْدَ مُزْدَحَمِ الْجَيْشِ، أَوْ عَلَى الْحَرِيقِ أَوْ وَقْتَ تَغَوُّلِ الْغِيلَانُ، وَطَلَبُهُمَا مَعًا خَلْفَ الْمُسَافِرِ وَفِي أُذُنَيْ الْمَوْلُودِ. قَوْلُهُ: (دُونَ النَّافِلَةِ) وَمِنْهَا الْمُعَادَةُ وَكَذَا الْمَنْذُورَةُ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَيُكْرَهَانِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَيُقَالُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ الْإِقَامَةِ أَصَالَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَهُوَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ إرَادَةِ الْجَمَاعَةِ الْفِعْلَ، فَلَا يُرَدُّ عَدَمُ طَلَبِ ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِيدِ) أَيْ إذَا فَعَلَ جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) أَيْ الْعِيدِ مِنْ كُلِّ نَفْلٍ تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، إذَا أُرِيدَ فِعْلَهُ جَمَاعَةٌ فَخَرَجَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيُنْدَبُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ، لِأَنَّهُمَا كَصَلَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَكَذَا مِنْ الْوَتْرِ وَنَحْوِهِ إذَا فُعِلَ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ جَامِعَةً) وَمِثْلُهُ هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ إلَى الْفَلَاحِ، أَوْ الصَّلَاةُ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَلَهُ: (وَنَصْبُ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِتَعَيُّنِ الرَّفْعِ فِيهَا نِيَابَةً عَنْ الْفَاعِلِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَرَفْعُ الْأَوَّلِ وَنَصْبُ الثَّانِي وَعَكْسُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَذَانِ) دَفَعَ بِذَلِكَ عَوْدَ الضَّمِيرِ لِكُلِّ الْمُوهِمِ، لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْإِقَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ: قَوْلُهُ: (لِلْمُنْفَرِدِ) أَيْ الذَّكَرِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ بَلَغَهُ) أَيْ يُطْلَبُ لَهُ الْأَذَانُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانٌ غَيْرُهُ، إلَّا إنْ سَمِعَ الْأَذَانَ مِنْ مَحَلٍّ وَقَصَدَ الصَّلَاةَ فِيهِ، وَصَلَّى فِيهِ فَلَا يُطْلَبُ لَهُ الْأَذَانُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَاكْتَفَى عَنْهَا) أَيْ طَرِيقُ الْجُمْهُورِ بِذِكْرِ الْجَدِيدِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْجَدِيدِ قَدْ يَكُونُ نَافِيًا لِلْقَدِيمِ، فَهُوَ قَاطِعٌ وَقَدْ لَا يَنْفِيهِ فَهُوَ حَاكٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ) أَيْ الْمُؤَذِّنُ الْمُنْفَرِدُ زِيَادَةً عَلَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، الْمَذْكُورُ قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لَهُ وَقِيلَ الْمُؤَذِّنُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (قَالَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَوْلُهُ: (سَمِعْت مَا قُلْته لَك وَهُوَ أَنِّي أَرَاك تُحِبُّ إلَخْ) بِخِطَابٍ لِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَأَوْرَدُوهُ) أَيْ الذِّكْرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى حَسَبِ فَهْمِهِمْ، وَلَفْظُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«قَالَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّك رَجُلٌ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَأَذِّنْ وَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إنَّ ضَمِيرَ إلَخْ) وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى نَدْبِهِ لِلْمُنْفَرِدِ، فَإِنَّ طَلَبَ رَفْعِ صَوْتِهِ بِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِطَلَبِهِ. قَوْلُهُ: (لَا بِمَسْجِدٍ إلَخْ) أَيْ لَا يَرْفَعُ الْمُنْفَرِدُ صَوْتَهُ بِالْأَذَانِ لِنَفْسِهِ فِي مَسْجِدٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فِي هَذَيْنِ مَكْرُوهَانِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْأَذَانُ) احْتَرَزَ عَنْ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَأَفْصَحَ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُفْصِحْ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجَدِيدُ نَدَبَهُ لِلْمُنْفَرِدِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِيَظْهَرَ الِاسْتِدْلَال) الْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا عِلَّةً لَأَوْرَدُوهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ أَيْ سَمِعْت. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي غَيْرِهِ، وَكَأَنَّ سَبَبَهُ شِدَّةُ الِاعْتِنَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ بِأَمْرِ الْأَذَانِ فَيَكُونُ الْإِيهَامُ فِيهَا أَكْثَرَ، وَفِي مَعْنَاهَا الرَّبْطُ. وَأَمَّا وُقُوعُ الْجَمَاعَةِ فَلِأَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَهَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي الْمُنْفَرِدِ يُؤَذِّنُ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مُنْفَرِدٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ يُصَلِّي فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ