(فَلَوْ شَهِدَا) عَلَى رَجُلٍ (بِقِصَاصٍ) أَيْ بِمُوجِبِهِ (فَقُتِلَ) بِأَنْ حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا (ثُمَّ رَجَعَا) عَنْهَا (وَقَالَا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ) فِيهَا (لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا) فِيهَا أَيْ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بَعْدُ تَعَمَّدْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا، فَإِنْ قَالَا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا فَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِمَا أَوْ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ فَشِبْهُ عَمْدٍ، (وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) فَأَكَلَهُ (فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ وَلَوْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِهِ، وَلَا نَظَرُوا إلَى أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِمْ، تَقْيِيدُ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكَالْحَفْرِ وَالْإِمْسَاكِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالْمُفْتِي وَتُقَدَّمُ الْمُبَاشَرَةُ ثُمَّ السَّبَبُ ثُمَّ الشَّرْطُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ غَالِبًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ الضَّمَانِ بِالشَّرْطِ مَعَ ذِكْرِهِ لَهُ لِجَعْلِهِ مِنْ السَّبَبِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (عَلَى رَجُلٍ) وَهُوَ أَوْلَى مِنْ شَخْصٍ لِإِطْلَاقِ الْقِصَاصِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِقِصَاصٍ) وَيُسَمَّى قَوَدًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ لِمَحَلِّ قَتْلِهِ، وَالْقِصَاصُ مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْمِقَصُّ أَوْ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ. قَوْلُهُ: (وَقَالَا تَعَمَّدْنَا) فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَخْطَأَ صَاحِبِي، أَوْ أَخْطَأْت أَوْ أَخْطَأْنَا أَوْ قَالَا أَخْطَأْنَا، فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَ تَعَمَّدْت وَتَعَمَّدَ صَاحِبِي وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (بِعِلْمِهِ) أَيْ حَالَةَ الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلِمْنَا إلَخْ) جَعَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ قَيْدًا وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ مَا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُخَصَّ بِمَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَا) وَكَذَا لَوْ سَكَتَا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ بِالْأَوْلَى خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. نَعَمْ لَوْ قَالَا ظَهَرَ لَنَا مَا يَقْتَضِي رَدَّ الشَّهَادَةِ فَالْقَاضِي هُوَ الْمُقَصِّرُ وَعَلَيْهِمَا دِيَةُ الْعَمْدِ.
تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا لِأَجْلِ بَيَانِ السَّبَبِ وَإِلَّا فَسَتَأْتِي فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى، وَمَعَهَا رُجُوعُ الْمُزَكِّي وَرُجُوعُ الْقَاضِي اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ ضَيَّفَ) الضِّيَافَةُ قَيْدٌ وَسَيَأْتِي مُحْتَرِزُهَا وَهِيَ مِنْ السَّبَبِ الْعُرْفِيِّ كَمَا مَرَّ. وَهَلْ مِنْهَا مُنَاوَلَتُهُ لَهُ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَامِ أَوْ بَعَثَهُ لَهُ إلَى مَحَلِّهِ مَثَلًا رَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَسْمُومٍ) أَيْ بِسُمٍّ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَلَوْ فِي أَطْعِمَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَكِنَّ شَرْطَهُ فِي التَّعَدُّدِ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ الْمَسْمُومَ مِنْهَا، وَلَيْسَ أَدَوْنَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ بَحْثٌ وَاضِحٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) مُرَادُهُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَيُقَابِلُهُ مَا بَعْدَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْقِصَاصُ) إنْ كَانَ السُّمُّ يَقْتُلُ غَالِبًا وَعَالِمٌ بِهِ وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ فِي الْأَوَّلِ وَخَطَأٌ فِي الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ) قِيلَ الصَّوَابُ عَكْسُ هَذِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ أَوْلَى مِنْهُ مَعَ السُّكُوتِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ فِي الْقَوْلِ تَنْفِيرًا وَإِعْلَامًا بِالْقَاتِلِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ وَهُوَ الْوَجْهُ إنَّ الضِّيَافَةَ إحْسَانٌ، وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ يُنَافِيهَا فَهُوَ أَوْلَى بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسِيءٌ بِخِلَافِ السُّكُوتِ الْمُوهِمِ بَقَاءَ الضِّيَافَةِ فَهُوَ مُحْسِنٌ وَقِيلَ إنَّ السُّكُوتَ يُقَرِّبُهُ مِنْ شَرِيكِ الْمُخْطِئِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُقَرِّبُهُ مِنْ أَخْذِ الطَّعَامِ فِي الْمَفَازَةِ، وَقِيلَ لِعَدَمِ الْإِغْرَاءِ فِيهِ الَّذِي يُوجَدُ مَعَ الْقَوْلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ الْعِبَارَةِ التَّعْمِيمُ لَا الْغَايَةُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهَا نَفْيُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ مَعَ السُّكُوتِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهَا عَدَمُ الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ كُلْ مِنْ هَذِهِ الطَّعَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُفَرَّقُوا) هُوَ مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ تَقْيِيدُ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ، وَكَذَا أَعْجَمِيٌّ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الطَّاعَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا) أَعْنِي مُمَيِّزًا وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ لِأَنَّهُ الَّذِي يُقَالُ فِي عَمْدِهِ عَمْدٌ، وَلِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ قَبْلَهُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُوبُ الْقَوَدِ كَالشَّاهِدِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْإِمَامُ بِالْمَنْعِ فَإِنَّ الْخَبَرَ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَاقِعَةِ حَكَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ قُبَيْلَ الدِّيَاتِ، قَوْلُهُ: (لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ) قَالَ الْإِمَامُ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ قَدْ يَحْتَرِزُ وَيُؤَثِّرُ هَلَاكَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي مَحِيصٌ عَنْ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ رُجُوعُهُمَا مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالتَّعَمُّدِ لَا كَذِبُهُمَا حَتَّى لَوْ شَاهَدْنَا الْمَشْهُودَ بِقَتْلِهِ حَيًّا، فَلَا قِصَاصَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ التَّعَمُّدِ قَوْلُهُ: (أَيْ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُمَا لَمْ يُلْجِئَا الْوَلِيَّ لِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حِسًّا وَلَا شَرْعًا فَصَارَ قَوْلُهُمَا شَرْطًا مَحْضًا كَالْإِمْسَاكِ مَعَ الْقَتْلِ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا) مِثْلُهُ الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ فَتَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ وَارِدَةً عَلَى كَلَامِهِ الْآتِي، قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هُوَ مَسْمُومٌ) وَجْهُ هَذِهِ الْغَايَةِ أَنَّ حَالَةَ عَدَمِ الْقَوْلِ قَوِيَّةُ الشَّبَهِ بِشَرِيكِ الْمُخْطِئِ.