فَعَمْدٌ لِظُهُورِ أَثَرِ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتِهَا إلَى الْهَلَاكِ.
(فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الْحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ، غَالِبًا، (وَقِيلَ عَمْدٌ) لِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً وَمَوْتُهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِإِصَابَةِ بَعْضِهَا، (وَقِيلَ لَا شَيْءَ) فِيهِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَالْمَوْتُ بِسَبَبٍ آخَرَ، (وَلَوْ غَرَزَهَا فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ) وَلَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ فَمَاتَ، (فَلَا شَيْءَ) فِيهِ (بِحَالٍ) مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِهِ وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدَرٍ
(وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ) لِذَلِكَ (حَتَّى مَاتَ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ) وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَحْبُوسِ قُوَّةً وَضَعْفًا وَالزَّمَانِ حَرًّا وَبَرْدًا فَفَقْدُ الْمَاءِ فِي الْحَرِّ لَيْسَ كَهُوَ فِي الْبَرْدِ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ) عَلَى الْحَبْسِ (فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ) بِهِ (بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَعَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ فَعَمْدٌ) ، لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِهْلَاكِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إهْلَاكَهُ وَإِلَّا أَتَى بِمُهْلِكٍ وَالثَّانِي هُوَ عَمْدٌ لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ وَالْأَوَّلُ قَالَ حَصَلَ بِهِ وَبِمَا قَبْلَهُ فَيَجِبُ فِيهِ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ
، (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ) كَالْمُبَاشَرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالشَّرَابَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْجُوعِ وَالْعَطَشِ. قَوْلُهُ: (وَالطَّلَبَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إنْ أُرِيدَ مَنْعُ التَّنَاوُلِ وَإِلَّا بِأَنْ أُرِيدَ مَنْعُ إحْضَارِ طَعَامٍ لَهُ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ لَا الْمَحْبُوسُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الطَّلَبِ عَدَمُ الْحُضُورِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ) قَدَّرَهَا الْأَطِبَّاءُ بِاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاعَةً، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ الْمَدَارُ عَلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُهْلِكًا لِمِثْلِ ذَلِكَ الشَّخْصِ غَالِبًا، وَلِذَلِكَ لَوْ اعْتَادَ الْجُوعَ مَثَلًا أَيَّامًا كَثِيرَةً لَمْ يُعْتَبَرْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاوَ فِي هَذَا عَلَى بَابِهَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَبِمَعْنَى أَوْ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ بِسَابِقٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ أَوْ يُجْعَلُ فَاعِلٌ سَابِقُ كُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَشِبْهُ عَمْدٍ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِمَّا لَمْ يُمْكِنْ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا كَسَاعَةٍ فَهَدَرٌ لِأَنَّهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بِهِ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ) سَوَاءٌ كَانَ بِحَبْسٍ أَوْ لَا وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فَعَمْدٌ) فَعَلَى الْحَابِسِ الْقِصَاصُ فَإِنْ عَفَا فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ السَّابِقَةُ قَصِيرَةً كَسَاعَةٍ، وَإِلَّا فَنِصْفُ دِيَةٍ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ الْآخَرُ الْمُقَابِلُ لِلْجُوعِ وَالْعَطَشِ السَّابِقِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ حَابِسٌ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ أَيْضًا، كَمَا يَأْتِي تَوْزِيعًا عَلَى الْمُدَّتَيْنِ، وَلَا نَظَرَ لِطُولِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَذَا قَالُوا وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَبْسِ قَصِيرَةً كَسَاعَةٍ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَفِيهِ بَعْدُ، وَالْوَجْهُ إنْ تَقَيَّدَ بِمَا يَنْسِبُ إلَيْهَا الْهَلَاكَ مَعَ انْضِمَامِهَا لِمَا قَبْلَهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْمَوْتِ بِالْمُدَّتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ كَالثَّانِي كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَابِسُ الْحَالَ) وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ هُوَ شِبْهُ عَمْدٍ فَعَلَى الْحَابِسِ نِصْفُ دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا بِشُرْطَةِ السَّابِقِ قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) خَصَّهُ بِمَا بَعْدَ إلَّا وَفِي الرَّوْضَةِ رُجُوعُهُ لِمَا قَبْلَهَا أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ فَرَاجِعْهُ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَبْسِ وَمَا بَعْدَهُ فِي الْحُرِّ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَضْمَنُ بِوَضْعٍ إلَيْهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (بِالسَّبَبِ) وَهُوَ مَا يُؤْثِرُ فِي الْقَتْلِ وَلَا يُحَصِّلُهُ وَهُوَ إمَّا شَرْعِيٌّ كَالشَّهَادَةِ أَوْ عَادِيٌّ، وَيُقَالُ عُرْفِيٌّ كَالضِّيَافَةِ وَتَرْكِ عِلَاجِ الْجُرْحِ أَوْ حِسِّيٌّ كَالْإِكْرَاهِ وَالْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ فِي مَاءٍ.
قَوْلُهُ: (كَالْمُبَاشَرَةِ) وَهِيَ مَا تُؤَثِّرُ فِي الْقَتْلِ وَتُحَصِّلُهُ وَمِنْهَا تَرَدِّيهِ فِي نَحْوِ الْبِئْرِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَهُوَ مَا لَا وَلَا وَلَكِنْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالظُّهُورِ دُونَ الْوُجُودِ يُفِيدُك أَنَّ أَصْلَ الْأَثَرِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، قَوْلُهُ: (وَمَاتَ فِي الْحَالِ) أَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْمَوْتُ زَمَنًا طَوِيلًا فَلَا شَيْءَ قَطْعًا قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَرَزَهَا فِيمَا لَا يُؤْلِمُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ تَتَجَاوَزْ الْقُوَى
، قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ) خَرَجَ مَا لَوْ مَنَعَهُ فَقَطْ بِأَنْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ مَثَلًا فَأَخَذَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا ضَمَانَ، قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ) الْمُلَائِمُ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ جَعْلُ هَذَا الْخِلَافِ رَاجِعًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْهَلَاكِ بِهِ) أَيْ فَكَانَ كَمَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا ضَرْبًا يَقْتُلُهُ دُونَ الصَّحِيحِ وَإِنْ جَهِلَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَرَضَ يَظْهَرُ حَالُهُ بِخِلَافِ الْجُوعِ.
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ كَانَ بِهِ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا إنْ عَلِمَ الْحَابِسُ الْحَالَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّانِي يَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ وَالثَّالِثُ عَكْسُهُ ثُمَّ إنْ أَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ وَجَبَ فِي حَالَةِ الْعَمْدِ دِيَةُ عَمْدٍ كَامِلَةٌ، وَفِي حَالَةِ الْجَهْلِ دِيَةُ شِبْهِ عَمْدٍ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فَالْأَظْهَرُ نِصْفُ دِيَةِ الْعَمْدِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ) مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْحَبْسِ السَّابِقَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهَا عَنْ هَذَا، قَوْلُهُ: (فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ إلَخْ) . قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَمَّا لَوْ تَوَقَّفَ الْحَاكِمُ فِي الْحَادِثَةِ فَرَوَى لَهُ فِيهَا عَدْلٌ خَبَرًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّاوِي وَقَالَ تَعَمَّدْت الْكَذِبَ فَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي