وَسَيَأْتِي التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا وَصَحَّ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ، (وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) عُدْوَانًا فَقَتَلَهُ، (جَارِحٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ مَا كَسَيْفٍ، (أَوْ مُثَقَّلٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ثَقِيلٍ كَأَنْ رَضَّ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ.
(فَإِنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ (بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ) ، فَمَاتَ أَوْ رَمَى شَخْصًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَمَاتَ (فَخَطَأٌ) ، وَظَاهِرٌ أَنَّ فَقْدَ قَصْدِ الْفِعْلِ يَلْزَمُهُ فَقْدُ قَصْدِ الشَّخْصِ وَأَنَّ الْوُقُوعَ مَنْسُوبٌ لِلْوَاقِعِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْمُقَسَّمُ، (وَإِنْ قَصَدَهُمَا) أَيْ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ (بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا) عُدْوَانًا فَمَاتَ (فَشِبْهُ عَمْدٍ وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا) وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ فِيهِ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ وَدَلِيلُهَا آيَةُ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ} [النساء: 92] وَحَدِيثُ «قَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ بِشُرُوطِهِ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ الْمُزْهِقِ يَنْقَسِمُ إلَى الثَّلَاثَةِ أَيْضًا (فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ) كَالدِّمَاغِ وَالْعَيْنِ وَالْحَلْقِ وَالْخَاصِرَةِ فَمَاتَ (فَعَمْدٌ) لِخَطَرِ الْمَوْضِعِ وَشِدَّةِ تَأَثُّرِهِ، (وَكَذَا) لَوْ غَرَزَهَا (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَقْتَلٍ كَالْأَلْيَةِ وَالْفَخِذِ (إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (قَصْدُ الْفِعْلِ) أَيْ مَعَ وُجُودِهِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَصْدِهِ وُجُودِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالشَّخْصِ) أَيْ الْإِنْسَانِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ ضِمْنًا.
قَوْلُهُ: (عُدْوَانًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا أَيْضًا غَيْرَ كَبِيرَةٍ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (أَيْ الْفِعْلِ أَوْ الشَّخْصِ) بَيَانٌ لِلْأَحَدِ وَهُوَ صَادِقٌ بِفَقْدِهِمَا مَعًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ وَقَعَ إلَخْ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي مُعَارِضَةٌ لَهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَمَثَّلَ لِفَقْدِ الشَّخْصِ وَحْدَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ رَمَى شَجَرَةً إلَخْ وَبِقَوْلِ الشَّارِحِ أَوْ رَمَى شَخْصًا إلَخْ. وَزَادَهُ لِيُفِيدَ أَنَّ الشَّجَرَةَ غَيْرُ قَيْدٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرٌ إلَخْ إلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ وُجُودِ الْقَتْلِ مَعَ فَقْدِ قَصْدِ الْفِعْلِ أَيْ عَدَمِ وُجُودِ الْفِعْلِ مَعَ قَصْدِ الشَّخْصِ الشَّامِلِ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَهُوَ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَأَنَّ الْوُقُوعَ إلَخْ إلَى أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِيَصِحَّ التَّقْسِيمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَصْدِ فِيهَا، إذْ لَيْسَ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَدَافُعَ وَلَا تَعَارُضَ، وَلَا اعْتِرَاضَ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ: (أَوْ عَصًا) أَيْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يَقْتَضِي الْقَتْلَ غَالِبًا كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَوَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَدَلِيلُهَا) أَيْ الدِّيَةِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَدَلِيلٌ مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِأَنَّ دَلِيلَ الْخَطَأِ الْآيَةُ، وَدَلِيلُ شِبْهِ الْعَمْدِ الْحَدِيثُ وَأَخَّرَ دَلِيلَهُ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِيمَا مَرَّ. مُرَاعَاةً لِشَرَفِ الْآيَةِ وَلِلِاخْتِصَارِ.
قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعُوا إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ مَا فِي الدَّلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ إلَخْ) هُوَ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى تَعْبِيرِهِ بِالْمُزْهِقِ فِيمَا قَبْلَهُ فَكَانَ الْوَجْهُ إسْقَاطَهُ.
قَوْلُهُ: (إبْرَةً) الْمُرَادُ إبْرَةُ الْخَيَّاطِ لَا نَحْوُ إبْرَةِ خِيَاطَةِ الظُّرُوفِ كَالْمِسَلَّةِ لِأَنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (بِمَقْتَلٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمِيمِ قَوْلُهُ: (وَالْخَاصِرَةِ) وَالْإِحْلِيلِ وَالْمَثَانَةِ قَوْلُهُ: (إنْ تَوَرَّمَ) مُسْتَدْرَكٌ إذْ الْمَدَارُ عَلَى التَّأَلُّمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ) أَيْ قَوِيٌّ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ أَلَمٍ أَصْلًا. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) أَيْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ يَسِيرٍ. قَوْلُهُ: (فَشِبْهُ عَمْدٍ) وَيُقَالُ خَطَأُ عَمْدٍ، وَعَمْدُ خَطَأٍ وَخَطَأُ شِبْهِ عَمْدٍ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَقْتُلُ إلَخْ) . فَلَوْ كَانَ يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا كَصَغِيرٍ فَعَمْدٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ.
قَوْلُهُ: (حَبَسَهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ احْتِرَازُهُمْ بِهِ عَمَّا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ حَبْسَهُ مَعَ عَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ الطَّلَبِ غَيْرُ مُضَمَّنٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ خَارِجٌ بِمَنْعِهِ. قَوْلُهُ: (الطَّعَامَ) وَمِثْلُهُ مَنْعُ اسْتِظْلَالٍ فِي حَرٍّ وَلُبْسُ عَارٍ فِي بَرْدٍ وَشَدُّ مَحَلِّ فَصْدٍ. قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْصِدَ الْفِعْلَ وَالشَّخْصَ أَوْ لَا الثَّانِي الْخَطَأُ وَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ، قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ) ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بِالسِّرَايَةِ وَسَوَاءٌ النَّفْسُ وَالطَّرَفُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُقَسَّمَ الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ، قَوْلُهُ: (عُدْوَانًا) أَيْ وَيَكُونُ الْعُدْوَانُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ، قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَصْدِ الْفِعْلِ أَيْ وَهُوَ أَنَّ قَصْدَ الْفِعْلِ إلَخْ. فَقَتَلَهُ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِهَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ جَارِحٍ أَوْ مُثَقَّلٍ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا شَمَلَتْهُ الْعِبَارَةُ لِيُشِيرَ إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُثَقَّلِ. لَنَا حَدِيثُ الْجَارِيَةِ الَّتِي رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ ثُمَّ إنَّ عِبَارَتَهُ كَالْمَتْنِ اقْتَضَتْ أَنَّ الْغَلَبَةَ وَصْفٌ لِلْآلَةِ وَلَوْ جُعِلَتْ وَصْفًا لِلْفِعْلِ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ قَتْلَ الْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ وَإِنْ أَمْكَنَ شُمُولُ عِبَارَتِهِمَا لِذَلِكَ، قَوْلُهُ: (بِالْجَرِّ) وَيَجُوزُ الرَّفْعُ قَوْلُهُ: (فَمَاتَ) فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ الْآتِيَيْنِ لِأَنَّ الْمُقَسَّمَ هُوَ الْفِعْلُ الْمُزْهِقُ، قَوْلُهُ: (أَوْ رَمَى شَخْصًا إلَخْ) . فِيهِ رَدٌّ عَلَى الزَّرْكَشِيّ حَيْثُ قَالَ إنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَمْدِ السَّابِقِ، قَوْلُهُ: (أَوْ رَمَى شَخْصًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ) لَوْ رَمَى شَخْصًا ظَنَّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو وَجَبَ الْقِصَاصُ.
قَوْلُهُ: (وَظَاهِرٌ أَنَّ فَقْدَ إلَخْ) . لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا إيرَادَهُ عَلَى الْعِبَارَةِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ فَقْدَ قَصْدِ أَحَدِهِمَا صَادِقٌ بِفَقْدِهِمَا، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ إيضَاحُ الْكَلَامِ وَتَحْقِيقُ الْمَرَامِ، قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا) خَفِيفَةٍ وَلَوْ يُوَالِي بَيْنَ الضَّرَبَاتِ وَكَانَتْ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ وَالْمَضْرُوبُ غَيْرُ صَغِيرٍ وَلَا ضَعِيفٍ ثُمَّ حِكْمَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى السَّوْطِ وَالْعَصَا ذِكْرُهُمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ نَفْيِ