لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِأَمَتِهِ أَخْذًا مِنْ «قِصَّةِ مَارِيَةَ لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] ، إلَى أَنْ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] »
أَيْ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ كَفَّارَةَ أَيْمَانِكُمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَطْءِ، وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، كَالْيَمِينِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ.
(وَكَذَا) عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، (إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فِي الْأَظْهَرِ وَالثَّانِي) ذَلِكَ اللَّفْظُ مِنْهُ، (لَغْوٌ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَنَحْوَهُ إذَا اشْتَهَرَ عِنْدَ قَوْمٍ لِلطَّلَاقِ كَانَ صَرِيحًا فِيهِ، عِنْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَإِذَا نَوَى بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَتَعَيَّنَ الطَّلَاقُ.
(وَإِنْ قَالَهُ) أَيْ أَنْت عَلَيَّ، حَرَامٌ أَوْ نَحْوُهُ (لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ) أَوْ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا لَغَا إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْأَمَةِ (أَوْ تَحْرِيمُ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ) لَهُ (فَكَالزَّوْجَةِ) فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ قَطْعًا فِي الْأُولَى، وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ قَطْعًا لِأَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي وُرُودِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، (وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ الطَّعَامُ أَوْ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ) ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.
(وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ) ، وَيَنْسَحِبُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَكْفِي بِآخِرِهِ، لِأَنَّهُ وَقَّتَ الْوُقُوعَ، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ لَغَتْ قَطْعًا وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ اقْتَرَنَتْ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ دُونَ آخِرِهِ أَوْ عَكْسُهُ طَلُقَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي اقْتِرَانهَا بِأَوَّلِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، (وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ) كَأَنْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ اذْهَبِي (لَغْوٌ) لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْعِبَارَةِ إلَى الْإِشَارَةِ يُفْهِمُ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلطَّلَاقِ، وَإِنْ قَصَدَهُ بِهَا فِيهِ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا.
(وَقِيلَ كِنَايَةٌ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ بِهَا) فِي الْجُمْلَةِ
(وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــSجَوَازِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهَلْ كَفَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مُقَاتِلٌ نَعَمْ يَعْتِقُ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَقَالَ الْحَسَنُ لَمْ يُكَفِّرْ لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقًا ثَبَتَ) سَوَاءٌ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ أَوْ حَلَالًا لَهُ حَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ أَوَّلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا) وَنَحْوُهَا مِمَّا مَرَّ أَيْ وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ حَرُمَ وَطْؤُهَا فَيَدْخُلُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمُحْرِمَةُ وَالصَّائِمَةُ وَخَرَجَ نَحْوُ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ مَثَلًا وَالْمُرْتَدَّةُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ فَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ وَطْئِهَا، فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا فِي الْحَائِضِ وَنَحْوِهَا مِمَّا ذَكَرَ لِعَدَمِ حِلِّهِ لَهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَكَالزَّوْجَةِ) أَيْ فِي الْخِلَافِ وَالْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَقَدْ أَشَارَ أَيْضًا إلَى اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ بِأَنَّ هُنَا طَرِيقًا قَاطِعًا فِي الثَّانِيَةِ، وَأَلْحَقَ فِيهَا التَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ) وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى تَحْرِيمِهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ وَقْفٍ لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِنَحْوِ عَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ) يُفِيدُ أَنَّ مَا عَدَاهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ غَيْرِهَا. سَوَاءٌ فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَوْ لِرَجُلٍ أَنْت حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِثَالٌ، وَلَا كَفَّارَةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ الِاكْتِفَاءُ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ، وَبِغَيْرِهِ فَيَكْفِي اقْتِرَانُهَا بِجُزْءٍ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ وَهُمَا أَنْتِ أَوْ زَوْجَتِي أَوْ فُلَانَةُ بَائِنٌ مَثَلًا وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ نِيَّتِهِ، وَكَذَا وَارِثُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهَا لِإِمْكَانِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ أَوْ وَارِثُهَا لِمَا ذَكَرَ وَلَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعِدَّةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى وَقْتَ ذِكْرِ الْكِنَايَةِ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي رَفْعَ التَّحْلِيلِ اللَّازِمِ بِالثَّلَاثِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (بِطَلَاقٍ) خَرَجَ مَحِلُّ الطَّلَاقِ كَالْإِشَارَةِ إلَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَخَرَجَ غَيْرُ الطَّلَاقِ كَإِفْتَاءٍ وَأَمَانٍ حَرْبِيٍّ فَيَعْتَدُّ بِهَا فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَهِيَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ) أَيْ مِنْ النَّاطِقِ إلَّا نَادِرًا لِقَرِينَةٍ عُرْفِيَّةٍ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِمَا) مِنْ الْعُقُودِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ الْحُلُولِ فِي الثَّانِي أَوْ الْمُرَادُ الْأَعَمُّ كَإِقْرَارٍ وَدَعْوَى وَإِفْتَاءٍ لِأَنَّهُ يَعْتَدُّ بِهَا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْطُلُ بِهَا وَشَهَادَةٌ، فَلَا تَصِحُّ بِهَا وَحَنِثَ، فَلَا يَحْنَثُ بِهَا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ مَثَلًا وَتَقَدَّمَ أَنَّ إشَارَتَهُ إلَى الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ فِيهَا خِلَافٌ، وَمَالَ شَيْخُنَا كَالْخَطِيبِ إلَى الْحُرْمَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يُوجِبُوهَا عَلَيْهِ لِلْعَجْزِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] أَيْ تَحْلِيلَهَا وَهُوَ حِلُّ مَا عَقَدْتُهُ بِالْكَفَّارَةِ قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةً) أَيْ لِعُمُومِ قِصَّةِ مَارِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَا يُشْكِلُ كَوْنُهُ صَرِيحًا فِي الْكَفَّارَةِ بِصِحَّةِ صَرْفِهِ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الظِّهَارِ كَمَا سَلَفَ لِأَنَّ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ حُكْمٌ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَيْسَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ وَإِطْلَاقُ الصَّرَاحَةِ هُنَا تَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا كُفَّارَ عَلَيْهِ) كَلَغْوِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ هُنَا مَحِلُّهَا، فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ لِأَنَّهُ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ.
قَوْلُهُ: (فَكَالزَّوْجَةِ) قِيلَ فِيهِ نَقْدَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُوهِمُ اتِّحَادَ الْخِلَافِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، الثَّانِي أَنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْحُرَّةَ أَصْلٌ فِي الْبَابِ، وَالْأَمَةَ مَقِيسَةٌ عَلَيْهَا وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: (بِكُلِّ اللَّفْظِ) أَيْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ وَهُوَ بَائِنٌ مِنْ قَوْلِك أَنْتَ بَائِنٌ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لِأَنَّ جُزْءَ اللَّفْظِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالْإِفَادَةِ. قَوْلُهُ: (بِطَلَاقٍ) كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْإِشَارَةِ لِلْمَحِلِّ فَفِي التَّكْمِلَةِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَشَارَ لِوَاحِدَةٍ مِنْ زَوْجَتَيْهِ الْجَزْمُ، بِالْوُقُوعِ مِنْ الْمُشَارِ إلَيْهَا، وَقَالَ وَلَوْ ادَّعَى مَعَ هَذِهِ الْإِشَارَةِ الْمَرْأَةَ الْأُخْرَى، قِيلَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ.