(وَالْإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسِهِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْت حُرَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ طَلَّقْتُك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ، (وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسِهِ) ، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إفَادَةِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَوْضُوعِهِ مُمْكِنٌ، فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ (وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْت عَلَيَّ حَرِيمٌ أَوْ حَرَّمْتُك وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ) أَيْ الْمَنْوِيُّ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ إلَى أَنْ يُكَفِّرَ فَجَازَ أَنْ يُكْنِيَ عَنْهُ بِالْحَرَامِ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ الْمَحْرَمِ وَهَذَا الطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ.
وَإِنْ نَوَى فِيهِ عَدَدًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ (أَوْ نَوَاهُمَا) أَيْ الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ مَعًا (تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ) مِنْهُمَا (وَقِيلَ) الْوَاقِعُ (طَلَاقٌ) لِأَنَّهُ أَقْوَى بِإِزَالَتِهِ الْمِلْكَ (وَقِيلَ ظِهَارٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النِّكَاحِ، وَلَا يَثْبُتَانِ جَمِيعًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَالظِّهَارَ يَسْتَدْعِي بَقَاءَهُ (أَوْ تَحْرِيمُ عَيْنِهَا) أَوْ فَرْجِهَا أَوْ وَطِئَهَا (لَمْ تَحْرُمْ) عَلَيْهِ، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْك رَحِمِي أَغْنَاك اللَّهُ أَكْثَرَ اللَّهُ خَيْرَك أَكْثَرَ اللَّهُ مَالِكَ بَارَكَ اللَّهُ فِيك، أَوْ عَلَيْك أَوْ فِي جَوَابِ أَلَك زَوْجَةٌ، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ اللَّفْظَ، بِمَا لَا يُفِيدُهُ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَالْإِعْتَاقُ) أَيْ صَرِيحُهُ وَكِنَايَتُهُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ: مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ كَانَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ فِي حَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، وَلَا نَفَاذَ لَهُ فِي حَلِّ الْمِلْكِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْأَمَةِ، فَكَانَ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ كِنَايَةً فِيهِ وَكَذَا لَفْظُ الْعِتْقِ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ، وَلَا نَفَاذَ لَهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الزَّوْجَةِ، فَكَانَ كِنَايَةً فِيهَا فَالْمُرَادُ بِمَوْضُوعِهِ وَفِي غَيْرِهِ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ، وَهَذَا فِي الصَّرِيحِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيلٍ فِي الْكِنَايَةِ لِبَقَائِهَا عَلَى أَصْلِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا عِتْقَ وَإِنْ نَوَاهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنَا مِنْك حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْت نَفْسِي مِنْك.
قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ) عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَيْ وَلَيْسَ الظِّهَارُ كِنَايَةَ الطَّلَاقِ وَقِيلَ عَكْسُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَنْفِيذَ كُلٍّ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ، وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ وَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهَا بِمَعْنَى الظِّهَارِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفَاذٌ، فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ طَلَاقِهَا إذَا لَمْ يَنْوِهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ خَرَجَ الصَّرِيحُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فَالْكِتَابَةُ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَنَوَى) فَهُوَ كِنَايَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ لَفْظِ عَلَيَّ وَقَطْعًا مَعَ عَدَمِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَرَامِ أَوْ الْحَلَالِ. قَوْلُهُ: (جَمِيعًا) ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ نَوَاهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ وَاضِحٌ وَلَا تَخْيِيرَ فِي الثَّانِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ إنْ سَبَقَ الظِّهَارُ وَقَعَا مَعًا، وَهُوَ غَيْرُ عَائِدٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ وَكَانَ بَائِنًا لَغَا الظِّهَارُ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى الرَّجْعَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَحْرِيمُ عَيْنِهَا) أَوْ رَأْسِهَا أَوْ يَدِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ تَحْرُمْ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ، وَإِنْ حَرُمَ وَطْؤُهَا كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ فَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ كَرَجْعِيَّةٍ، أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَمَجُوسِيَّةٍ وَمُعْتَدَّةٍ عَنْ شُبْهَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ قَالَ شَيْخُنَا وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الْخِنْزِيرِ، أَوْ الْخَمْرِ أَوْ الْكَلْبِ ثُمَّ فِي مَرَّةٍ رَجَعَ عَنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ فِي مَرَّةٍ تَرَدَّدَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَرْجِهَا أَوْ وَطْئِهَا) وَهُوَ حَلَالٌ لَهُ، وَإِلَّا كَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَصَائِمَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا كَفَّارَةَ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ مِثْلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا وَلَا تَتَعَدَّدُ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الزَّوْجَةُ إلَّا أَنْ تَعَدَّدَ اللَّفْظُ وَلَمْ يَنْوِ التَّأْكِيدَ بِالْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ) فَهُوَ قِيَاسٌ لِجَامِعِ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، كَمَا فِي الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: «قِصَّةِ مَارِيَةَ جَارِيَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِبْطِيَّةِ حِينَ وَاقَعَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ حَفْصَةَ عَلَى فِرَاشِهَا، وَكَانَتْ غَائِبَةً فَلَمَّا جَاءَتْ وَعَلِمَتْ بِذَلِكَ شَقَّ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي نَوْبَتِي وَفِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي فَقَالَ لَهَا مُسِرًّا إلَيْهَا هِيَ حَرَامٌ عَلَيَّ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ» ، وَلَفْظُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْلَلْتُك وَتَقَنَّعِي وَتَسَتَّرِي وَالْزَمِي الطَّرِيقَ وَلَا حَاجَةَ لِي فِيك، وَأَنْتِ وَشَأْنُك وَلَك الطَّلَاقُ وَعَلَيْك الطَّلَاقُ، وَكُلِي وَاشْرَبِي دُونَ أَغْنَاك اللَّهُ وَاقْعُدِي وَاغْزِلِي وَقَرِّي وَمَا أَحْسَنَ وَجْهَك وَتَعَالِي وَاقْرَبِي وَأَسْقِينِي وَأَطْعِمِينِي وَأَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك وَزَوِّدِينِي وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفُرْقَ بِتَعَسُّفٍ.
قَوْلُهُ: (وَعَكْسُهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ الْمَفْهُومِ، مِنْهَا قَبْلَ النَّفْيِ أَيْ وَعَكْسُ كَوْنِ الطَّلَاقِ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ) ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الظِّهَارِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مَكْرُوهٌ، ثُمَّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ رَأْسُك أَوْ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ قَوْلُهُ: (مَعًا) احْتَرَزَ عَمَّا لَوْ نَوَاهُمَا مُرَتَّبًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ إنَّ قَدَّمَ الظِّهَارَ وَقَعَ بَعْدَهُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ وَكَانَ بَائِنًا فَلَا يَقَعُ الظِّهَارُ بَعْدَهُ، أَوْ رَجْعِيًّا فَإِنْ رَاجَعَ وَقَعَ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ مِثْلَ الْمَعِيَّةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. قُلْت وَكُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْكِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ الشَّرْعِ التَّعْبِيرَ بِجَمِيعِهَا بَدَلَ مَعًا وَعَلَى ذَلِكَ فَالشَّارِحُ مَاشٍ عَلَى كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الرَّوْضَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) أَيْ كَفَّارَةٌ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَمِينٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْوَطْءِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ. يَعْنِي أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْأَمَةِ وَقِسْنَا عَلَيْهَا الْحُرَّةَ.