(وَالْحُلُولُ) كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا لِلضَّرُورَةِ، (فَإِنْ فُهِمَ طَلَاقُهُ بِهَا كُلَّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ، وَإِنْ اُخْتُصَّ بِفَهْمِهِ فَطِنُونَ) أَيْ أَهْلُ الْفَطِنَةِ وَالذَّكَاءِ (فَكِنَايَةٌ) تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِإِشَارَتِهِ الْمُفْهِمَةِ نَوَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ وَلَيْسَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَلَا فِي الرَّوْضَةِ تَرْجِيحٌ لِوَاحِدَةِ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ وَمَا ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ، يُقَالُ فِي غَيْرِهِ.
(وَلَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقًا) كَأَنْ كَتَبَ زَوْجَتِي طَالِقٌ، (وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَغْوٌ) وَتَكُونُ كِتَابَتُهُ لِتَجْرِبَةِ الْقَلَمِ أَوْ الْمِدَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي وَجْهٍ أَنَّ الْكِتَابَةَ صَرِيحَةٌ كَالْعِبَارَةِ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، (وَإِنْ نَوَاهُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ) لِأَنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ فِي إفْهَامِ الْمُرَادِ كَالْعِبَارَةِ، وَقَدْ اقْتَرَنَتْ بِالنِّيَّةِ وَالثَّانِي لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا فِعْلٌ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ، لَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَقَطَعَ قَاطِعُونَ بِالْأَوَّلِ وَآخَرُونَ بِالثَّانِي.
وَهُمَا فِي الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ لِأَنَّ الْحَاضِرَ قَدْ يَكْتُبُ إلَى الْحَاضِرِ، لِاسْتِيحَائِهِ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقِيلَ هُمَا فِي الْغَائِبِ وَكِتَابَةُ الْحَاضِرِ لَغْوٌ قَطْعًا لِأَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ وَقِيلَ هُمَا فِي الْحَاضِرِ وَكِتَابَةُ الْغَائِبِ كِنَايَةٌ قَطْعًا وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا الْخِلَافُ لِلْمُخْتَصَرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ كَالْإِعْتَاقِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.
وَالْهِبَةِ الِانْعِقَادُ، وَفِي النِّكَاحِ الْمَنْعُ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَرْطٌ فِيهِ، وَلَا اطِّلَاعَ لَهُمْ عَلَى النِّيَّةِ وَالْخِلَافُ فِي الْغَائِبِ، وَالْحَاضِرِ كَمَا سَبَقَ، وَكِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالطَّلَاقِ كِنَايَةٌ، وَقِيلَ صَرِيحٌ وَلَوْ تَلَفَّظَ النَّاطِقُ بِمَا كَتَبَهُ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قِرَاءَةَ مَا كَتَبَهُ، فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ وَفُرِّعَ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِتَابَةِ مَسَائِلُ فِيهَا تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ، (فَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَك كِتَابِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) رِعَايَةً لِلشَّرْطِ، (وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْت كِتَابِي) فَأَنْت طَالِقٌ (وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (الْفَطِنَةِ وَالذَّكَاءِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا إذْ الْفَطِنَةُ حِدَّةُ الذَّكَاءِ الَّتِي هِيَ جَوْدَةُ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: (فَكِنَايَةٌ) وَتُعْرَفُ نِيَّتُهُ بِإِشَارَةٍ أُخْرَى، أَوْ كِتَابَةٍ إنْ لَمْ يَفْهَمْهَا أَحَدٌ فَلَغْوٌ قَطْعًا كَمَا هِيَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُمْ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّا تَقَدَّمَ مَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمُسْتَثْنَاةَ فِيمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي وَجْهٍ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَاهُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ) وَفَارَقَ إشَارَتُهُ بِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَبِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي) هُوَ مَخْرَجٌ مِنْ الرَّجْعَةِ حَيْثُ لَا تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ كَالْوَطْءِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِسْبَةُ الْمَخْرَجِ إلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُعْتَرَضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ) نَظَرًا لِلْأَظْهَرِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْأَوْجَهِ نَظَرًا لِمُقَابِلِهِ الْمُخَرَّجِ، كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِالنَّصِّ أَوْ الْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ: (ثَالِثُهَا) هُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَكِتَابَةُ الْأَخْرَسِ بِالطَّلَاقِ) وَكَذَا بِغَيْرِهِ مِمَّا يَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ مِنْهُ كِنَايَةٌ كَالنَّاطِقِ فَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ النَّاطِقَ لَا مَفْهُومَ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَلَفَّظَ) هُوَ قَيْدٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فِي كَلَامِهِ فَيُقْبَلُ بِيَمِينِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَتَبَ) نَاطِقٌ أَوْ أَخْرَسُ كَمَا مَرَّ لَا عَلَى مَاءٍ وَهَوَاءٍ.
قَوْلُهُ: (إذَا بَلَغَك كِتَابِي) أَوْ كِتَابِي هَذَا أَوْ الْكِتَابُ أَوْ هَذَا الْكِتَابُ أَوْ الْمَكْتُوبُ أَوْ هَذَا الْمَكْتُوبُ أَوْ مَكْتُوبِي أَوْ مَكْتُوبِي هَذَا فَهَذِهِ صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ. قَوْلُهُ: (تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) أَيْ وُقُوعِهِ فِي يَدِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَرَمْيِهِ فِي حِجْرِهَا أَوْ أَمَامهَا فَلَا يَكْفِي إخْبَارُهَا بِهِ، وَيَكْفِي فِي الْأَوْلَى بُلُوغُ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ بِحَيْثُ يُقْرَأُ وَإِنْ مَحَا مَا عَدَاهُ لَا عَكْسُهُ، وَكَذَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَهَا عِنْدَ شَيْخِنَا، وَخَالَفَهُ السَّنْبَاطِيُّ تَبَعًا لِلْعَلَامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ، وَمَالَ إلَى اعْتِبَارِ بُلُوغِ الْجَمِيعِ فِيهَا نَعَمْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ الْجَمِيعَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ إذَا بَلَغَك خَطِّي فَأَيُّ شَيْءٍ وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ وَقَعَ بِهِ وَلَوْ ادَّعَتْ عَدَمَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهَا أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ خَطَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (قَرَأْتِ كِتَابِي) اُنْظُرْ الْأَلْفَاظَ السَّابِقَةَ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ قَارِئَةٌ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ أَوْ ظَنًّا أَوْ احْتِمَالًا فَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهَا أُمِّيَّةٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَالْحُلُولُ) أَيْ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَالْأَقَارِيرِ وَالدَّعَاوَى.
قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ إلَخْ) أَيْ وَكَمَا فِي الْكِتَابَةِ قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ) بِخِلَافِ إشَارَتِهِ لِاخْتِلَافِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَشْخَاصِ وَالِاخْتِلَافُ فِي فَهْمِهَا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهَا حُرُوفٌ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِفْهَامِ كَالْعِبَارَةِ، وَقَدْ سَلَفَ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُقْصَدُ لِلْإِفْهَامِ إلَّا نَادِرًا.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ أَقْوَالٍ أَوْ أَوْجُهٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ لَمَّا سَاقَ الْأَظْهَرَ السَّابِقَ وَمُقَابِلَهُ قَالَ إنَّ الْأَوَّلَ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالثَّانِيَ يُحْكَى عَنْ الْإِمْلَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الرَّجْعَةِ حَيْثُ قَالَ إنَّهَا لَا تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ نِكَاحٌ وَلَا طَلَاقٌ إلَّا بِكَلَامٍ كَذَلِكَ الرَّجْعَةُ، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْخِلَافِ بِالْوَجْهَيْنِ لِمَكَانِ التَّخْرِيجِ الْحَاضِرِ، وَكِتَابَةُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ قَطْعًا قَدْ نَسَبَ إلَى الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلًا بِالْكِنَايَةِ فِي الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ عِنْدَ أَصْحَابِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَنْ قَالَ هُمَا فِي الْغَائِبِ وَكِتَابَةُ الْحَاضِرِ لَغْوٌ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ) وَلَوْ انْمَحَى مَا عَدَا سَطْرَ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (فَقَرَأَتْهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ قِرَاءَةُ الْجَمِيعِ وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَقَاصِدِ.