(وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ أَمَةً حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ) ، كَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ قَالَ لَهُ زَوَّجْتُك بِنْتِي، وَأَمَتِي: قَبِلْت نِكَاحَهُمَا، (بَطَلَتْ الْأَمَةُ) قَطْعًا لِانْتِفَاءِ شُرُوطِ نِكَاحِهَا، (لَا الْحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ) تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، وَالثَّانِي تَبْطُلُ الْحُرَّةُ أَيْضًا فِرَارًا مِنْ تَبْعِيضِ الْعَقْدِ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا مَنْ تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ بِعَقْدٍ، كَأَنْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْجِيلِ الْمَهْرِ، بَطَلَتْ الْأَمَةُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَارِنُ الْحُرَّةَ، كَمَا لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا، وَلِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا، وَفِي الْحُرَّةِ طَرِيقَانِ أَرْجَحُهُمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ يَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْأُخْتَيْنِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ نِكَاحَ الْحُرَّةِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَالْأُخْتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا أَقْوَى، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ نَكَحَ أَمَتَيْنِ فِي عَقْدٍ بَطَلَ نِكَاحَهُمَا قَطْعًا كَالْأُخْتَيْنِ.

فَرْعٌ: وَلَدُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا تَبَعًا لَهَا، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْحُرُّ عَرَبِيًّا، وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ أَنَّ وَلَدَ الْعَرَبِيِّ حُرٌّ، وَهَلْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَالْمَغْرُورِ، أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرِضَا سَيِّدِهَا حِينَ زَوَّجَهَا عَرَبِيًّا قَوْلَانِ.

[فصل يحرم على المسلم نكاح من لا كتاب لها كوثنية ومجوسية وتحل له كتابية]

فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ (نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَتَحِلُّ) لَهُ (كِتَابِيَّةٌ) قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وَقَالَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] أَيْ حِلٌّ لَكُمْ (لَكِنْ تُكْرَهُ) كِتَابِيَّةٌ (حَرْبِيَّةٌ) لِمَا فِي الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ تَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ وَقَدْ تُسْتَرَقُّ، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ مُسْلِمٍ (وَكَذَا) تُكْرَهُ (ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ مِنْ الْمَيْلِ إلَيْهَا الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَمَجُوسِيَّةٌ ظَاهِرُهُ الْعَطْفُ عَلَى وَثَنِيَّةٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْمَجُوسَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ وَبَدَّلُوهُ فَرُفِعَ لَكِنْ لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا كِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ الْآنَ، وَلَا نَتَيَقَّنُهُ مِنْ قَبْلُ فَنَحْتَاطُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْطِفَ عَلَى مَنْ فَيُوَافِقُ الْأَشْبَهَ وَالْوَثَنِيَّةُ عَابِدَةُ الْوَثَنِ، وَمِثْلُهَا عَابِدَةُ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ وَالصُّوَرِ الَّتِي يَسْتَحْسِنُونَهَا، وَالْوَثَنُ وَالصَّنَمُ قِيلَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَقِيلَ الْوَثَنُ مَا كَانَ غَيْرَ مُصَوَّرٍ وَالصَّنَمُ مَا كَانَ مُصَوَّرًا، (وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــSبِوِلَادَتِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَتَقْدِيمُ أَمَةِ أَبِيهِ عَلَى أَمَةِ أَجْنَبِيٍّ لِلْحُكْمِ بِعِتْقِهِ عَلَى أَبِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ) قَيَّدَ بِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَسَيَذْكُرُ مُقَابِلَهُ. قَوْلُهُ: (حُرَّةً صَالِحَةً أَوْ لَا) عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَتَصْوِيرُ الْجَمْعِ، بِقَوْلِهِ بِنْتِي وَأَمَتِي لِأَجْلِ اللَّفِّ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ لِأَجْلِ الْخِلَافِ، وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ فِيهِ لِتَقْدِيمِ الْبَاطِلِ وَالْعَطْفُ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك هَاتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُ فَكَالْأَوَّلِ وَخَرَجَ بِعَقْدِ مَا لَوْ جَمَعَهُمَا بِعَقْدَيْنِ، وَقَدَّمَ الْأَمَةَ فَيَصِحُّ فِيهِمَا، وَمِنْهُ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك الْأَمَةَ بِكَذَا، وَالْحُرَّةَ بِكَذَا فَقِبَلَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ يُعَدِّدُ الْعَقْدَ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ بِالْحُرَّةِ الصَّالِحَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَوْلَيْنِ) وَالْأَظْهَرُ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ فِي الْحُرَّةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِالْبُطْلَانِ) أَيْ فِي الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَ) أَيْ الْحُرُّ كَمَا مَرَّ أَمَّا الرَّقِيقُ فَالْجَمْعُ فِيهِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (فِي عَقْدٍ) فَإِنْ كَانَ فِي عَقْدَيْنِ صَحَّتْ الْأُولَى إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَإِلَّا بَطَلَ فِيهَا كَالثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (رَقِيقٌ لِمَالِكِهَا) وَلَهُ حُكْمُهَا فَيَمْتَنِعُ نَحْوُ بَيْعِ وَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ كَأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (تَبَعًا لَهَا) فَلَهُ مِنْ وَلَدِ الْمُبَعَّضَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فِيهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا كَأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (قَوْلَانِ) أَصَحُّهُمَا الثَّانِي عَلَى هَذَا الْقَدِيمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ فِيمَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهَا أَوَّلًا مِنْ الْكُفَّارِ لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِلْكُفَّارِ وَمَا يَتْبَعُهُ قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُسْلِمِ) وَمِثْلُهُ الْكَافِرُ لَكِنْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا، وَإِلَّا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ. قَوْلُهُ: (نِكَاحٌ) وَمِثْلُهُ التَّسَرِّي. وَقَوْلُهُ: (وَتَحِلُّ لَهُ) أَيْ الْمُسْلِمِ وَكَذَا لِغَيْرِهِ مَا عَدَا نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَحِلُّ لَهُ التَّسَرِّي لَا النِّكَاحُ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ تُكْرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهَا وَوَجَدَ مُسْلِمَةً وَلَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ يُسَنُّ فِي الْأُولَى، وَالْكَرَاهَةُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْهَا فِي الذِّمِّيَّةِ أَخْذًا مِنْ الْخِلَافِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) وَمُقَابِلِهِ لَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ إهَانَةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ وَلَعَلَّهُ لِوُجُودِ مِثْلِهِ فِي الْحَرْبِيَّةِ وَلَمْ يَقُولُوا فِيهَا بِهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (قِيلَ بِمَعْنَى) سَوَاءٌ الْمُصَوَّرُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ الصَّنَمُ مَا كَانَ مِنْ حَجَرٍ مُصَوَّرٍ، وَالْوَثَنُ مَا كَانَ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ) وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ عِلْمُ آبَائِهَا الْآتِي وَكَذَا بِقَوْلِهَا عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ) لِدَاوُدَ وَصُحُفِ شِيثٍ وَهِيَ خَمْسُونَ صَحِيفَةً، وَإِدْرِيسَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ صَحِيفَةً، وَإِبْرَاهِيمَ وَهِيَ عَشْرُ صَحَائِفَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْمِائَةِ أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ، وَقِيلَ أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَشْبَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك بِنْتِي بِأَلْفٍ، وَأَمَتِي بِمِائَةٍ فَقَبِلَ الْبِنْتَ ثُمَّ الْأَمَةَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْبِنْتِ قَطْعًا، وَلَوْ اقْتَصَرَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ عَلَى قَبُولِ الْبِنْتِ، فَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْحُرَّةِ أَيْضًا نَظَرًا لِلْإِيجَابِ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ إلَخْ) عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْعَرَبِيِّ لِلْأَمَةِ سِوَى إسْلَامِهَا.

[فَصْلٌ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ وَتَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ]

فَصْلٌ: يَحْرُمُ نِكَاحُ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَحِلُّ لَهُ كِتَابِيَّةٌ) يُسْتَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْكِتَابِيَّةُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَخَافُ إلَخْ) أَيْ وَيَخَافُ أَيْضًا عَلَى وَلَدِهِ مِنْهَا، الْفِتْنَةَ، وَالثَّانِي لَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْرَاشَ إهَانَةٌ وَهَذَا الثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ) أَيْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015