فِي الْأُولَى قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَهْرِ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَوَجْهُ الثَّانِي فِي الْأُولَى تَمَكُّنُهُ مِنْ نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْمِنَّةُ بِالنَّقْصِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ قَلِيلَةٌ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْمُهُورِ، (وَأَنْ يَخَافَ زِنًى) بِأَنْ تَغْلِبَ شَهْوَتُهُ وَيَضْعُفَ تَقْوَاهُ بِخِلَافِ مَنْ ضَعُفَتْ شَهْوَتُهُ أَوْ قَوِيَ تَقْوَاهُ قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] أَيْ زِنًى، وَأَصْلُهُ الْمَشَقَّةُ سُمِّيَ بِهِ الزِّنَى؛ لِأَنَّهُ مَعَهَا فِي الْحَدِّ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةِ بِهِ فِي الْأُخْرَى، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ مَنْ تَحْتَهُ أَمَةٌ لَا يَنْكِحُ أُخْرَى، (فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ) بِشِرَاءِ أَمَةٍ، (فَلَا خَوْفَ فِي الْأَصَحِّ) ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَالثَّانِي يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ طَوْلَ حُرَّةٍ، وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَمَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَالْمُحَرَّرِ لَمْ يَنْكِحْ الْأَمَةَ كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ لَا فِي الْخَوْفِ فِي الْقَطْعِ بِانْتِفَائِهِ، (وَإِسْلَامُهَا) ، فَلَا تَحِلُّ الْكِتَابِيَّةُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]

(وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدِّينِ، وَالثَّانِي يَقُولُ كُفْرُهَا مَانِعٌ مِنْ نِكَاحِهَا، (لَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي الْمَشْهُورِ) ؛ لِأَنَّ كُفْرَهَا مَانِعٌ مِنْ نِكَاحِهَا، وَالثَّانِي تَحِلُّ لَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرِّقِّ وَلَا بُدَّ فِي حِلِّ نِكَاحِ الْحُرِّ الْكِتَابِيِّ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ مِنْ أَنْ يَخَافَ زِنًى، وَيَفْقِدَ الْحُرَّةَ كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَلَا غَيْرُهُ

، (وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ) فَلَا يَنْكِحُهَا الْحُرُّ إلَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطٍ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً لَمْ تَنْفَسِخْ الْأَمَةُ) ، لِقُوَّةِ الدَّوَامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فِي الْحَدِّ فِي الدُّنْيَا) أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا الْعُقُوبَةُ فِي الْآخِرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَإِنْ حُدَّ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُطْلَبُ مِنْ مَحِلِّهِ مُرَتَّبٌ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ أَوْ زَوَاجِرُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَنْكِحُ أُخْرَى) نَعَمْ تَجُوزُ الْغَيْبَةُ كَاَلَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَلَوْ لِأَرْبَعِ إمَاءٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ إلَخْ) صَرِيحُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي ثَمَنٍ لَيْسَ قَدْرَ طَوْلِ حُرَّةٍ، وَأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْرُهُ لَمْ تَحِلَّ الْأَمَةُ قَطْعًا أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ حَلَّتْ قَطْعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسَرِّي مَانِعَةٌ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ مَعَ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ فَلِوَجْهِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ بَلْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ أَوْلَى لِإِفَادَتِهَا تَرَتُّبَ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ عَلَى الْخَوْفِ وَعَدَمِهِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ عَدَمِ الْخَوْفِ عَدَمُ الْحِلِّ دُونَ عَكْسِهِ، وَلَعَلَّ هَذَا مَلْحَظُ الْمُصَنِّفِ فَلَا زَالَتْ سَحَائِبُ الرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ تَنْهَلُّ عَلَى ثَرَى قَبْرِهِ مَدَى الزَّمَانِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِسْلَامِهَا) مَجْرُورٌ عَطْفُ مَصْدَرٍ صَرِيحٍ عَلَى مُؤَوَّلٍ بَدَلٍ مِنْ شُرُوطٍ وَيَجُوزُ غَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُ سَيِّدِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا فِي الْعَقْدِ بِالنِّكَاحِ وَإِلَّا فَلِلْمُسْلِمِ الْحُرُّ وَطْءُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ، كَمَا فِي الْعُبَابِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا. قَوْلُهُ: (لِلْحُرِّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْإِنْفَاقِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) وَكَانَتْ دَلِيلًا لِلْحُرِّ لِذِكْرِ الْمِلْكِ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فَسَقَطَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا. قَوْلُهُ: (كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَقْيِيدُهُ بِالْكِتَابِيِّينَ لِقَوْلِهِ أَمَةً كِتَابِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ.

قَوْلُهُ: (كَرَقِيقَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الشُّرُوطِ فِي نِكَاحِهَا، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى كَامِلَةِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْمُبَعَّضَةِ يَنْعَقِدُ مُبَعَّضًا عَلَى الرَّاجِحِ بِقَدْرِ مَا فِيهَا مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ قَلِيلَةِ الرِّقِّ عَلَى كَثِيرَتِهِ، وَتَقَدَّمَ مَنْ عَلَّقَ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ طَوْلِ حُرَّةٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي تَوْجِيهٍ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (بِشِرَاءِ أَمَةٍ) خَرَجَ مَا لَوْ كَانَتْ الْأَمَةُ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَزَوَّجُ بِأَمَةٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَطْعًا. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْأَمَةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي انْحِصَارَ الشَّرْطِ، فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلِ الْحُرَّةِ دُونَ خَوْفِ الزِّنَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ خَافَ الزِّنَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سِوَى الْعَجْزِ عَنْ طَوْلِ الْحُرَّةِ لَا الْعَجْزِ عَنْ التَّسَرِّي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِسْلَامُهَا) مَرْفُوعٌ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ) . لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا التَّسَرِّي بِهَا فَجَائِزٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَحِلَّ الْكِتَابِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ، فَكَانَتْ كَالْحُرَّةِ الْوَثَنِيَّةِ اجْتَمَعَ فِيهَا الْكُفْرُ وَعَدَمُ الْكِتَابِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبِيَّ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ رِقٌّ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ الْمُسْلِمِ سِوَى الْإِسْلَامِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى الصَّحِيحِ) تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّأْثِيمِ، وَفِيهَا لَوْ طَلَبُوا مِنْ قَاضِينَا أَنْ يُزَوِّجَهَا لِأَحَدٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ الْخِلَافُ فِي الْعَبْدِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحُرِّ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُفْرَهَا مَانِعٌ إلَخْ) . أَيْ فَكَانَتْ كَالْمُرْتَدَّةِ وَقَوْلُهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرِّقِّ أَيْ وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ فِي الدِّينِ، كَمَا يَنْكِحُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ. قَوْلُهُ: (الْكِتَابِيُّ) أَيْ الْحُرُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ وَكَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ الْكَامِلِ يُرَقَّ بِالْأَسْرِ، وَالْكَامِلُ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ فَيَبْعُدُ النَّظَرُ هُنَا لِلْمَعْنَى الْمُلَاحَظِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ: (كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ) . هَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ أَمْنَ الزِّنَى، وَالْيَسَارِ إذَا قَارَنَا عَقْدَ الْكَافِرِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يَقْدَحُ، إلَّا إذَا كَانَ مُقَارِنًا بَعْدَ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِيِّينَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَإِلَّا لَأَثَّرَ عِنْدَ مُقَارَنَةِ الْعَقْدِ مَعَ أَحَدِ الْإِسْلَامِيِّينَ كَغَيْرِهِ، مِنْ الْمُفْسِدَاتِ كَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُمَّ أَيْسَرَ إلَخْ) لَوْ زَالَ الْعَنَتُ بِتَعْنِينٍ مَثَلًا قَالَ الْغَزَالِيُّ: قَدْ وَافَقَ الْمَزْنِيُّ هُنَا عَلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَخَالَفَ فِي الصُّورَتَيْنِ يَعْنِي اللَّتَيْنِ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (لِقُوَّةِ الدَّوَامِ) أَيْ وَكَمَا فِي الرِّدَّةِ وَالْغِرَّةِ وَالْإِحْرَامِ، وَقَالَ الْمُزَنِيّ: يَنْفَسِخُ فِي الصُّورَتَيْنِ إلْحَاقًا لِنِكَاحِ الْأَمَةِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى جَوَابَيْنِ: جَوَازُ نِكَاحِ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَكَوْنُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ زَوَالِ الضَّرُورَةِ أَمْرًا ابْتِدَائِيًّا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ؛ وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015