الطَّاعَاتِ) لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ. وَالْمَفْرُوضُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ» (وَ) مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الْأَوْقَاتِ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ شَبَّهَ شَغْلَ الْأَوْقَاتِ بِهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الْمُسَمَّى بِالْإِنْفَاقِ، وَوَصَفَ الْأَوْقَاتَ بِالنَّفَاسَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلَا عِبَادَةٍ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ أَوْلَى عَلَى مِنْ أَفْضَلِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ (وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِنْ التَّصْنِيفِ مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ) فِي الْفِقْهِ وَالصُّحْبَةُ هُنَا الِاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ مَجَازًا عَنْ الِاجْتِمَاعِ فِي الْعَشَرَةِ

(وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ الْمُحَرَّرُ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِم) إمَامِ الدِّينِ عَبْدِ الْكَرِيمِ (الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــSوَفَضْلِهَا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (فَضْلُ الْعَالِمِ) أَيْ الْعَامِلِ بِعِلْمِهِ عَلَى الْعَابِدِ أَيْ الْمُتَعَبِّدِ بِعِلْمٍ، وَالْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ أَوْ لِلْأُمَّةِ وَهُوَ أَمْدَحُ، وَأَلْ فِيهِمَا لِلْجِنْسِ، نَحْوَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ فَضْلُ كُلِّ عَالِمٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ نِسْبَةَ شَرَفِ الْعَالِمِ إلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَدْنَى الصَّحَابَةِ أَوْ الْأُمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي حَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ «لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: بَابٌ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، وَبَابٌ مِنْ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مِائَةِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، أَوْ قَالَا: أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَفِي ذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلَعَلَّهُ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ إلَّا إنْ كَانَتْ الْغَزَوَاتُ أَفْضَلَ مِنْ الْأَلْفِ رَكْعَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمِائَةِ رَكْعَةٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: هَلْ الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَالُ؟ فَقَالَ: الْعِلْمُ، فَقَالُوا: فَمَا لَنَا نَرَى الْعُلَمَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا نَرَى الْأَغْنِيَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْعُلَمَاءِ؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ عَرَفُوا مَنْفَعَةَ الْمَالِ، وَالْأَغْنِيَاءُ جَهِلُوا فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» ، وَفِي حَدِيثٍ قَوَّاهُ بَعْضُهُمْ وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ «نَظْرَةٌ فِي وَجْهِ الْعَالِمِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ سِتِّينَ سَنَةً صِيَامًا وَقِيَامًا» . قَوْلُهُ: (أُنْفِقَتْ) يُقَالُ فِي الْخَيْرِ أَنْفَقْت، وَفِي غَيْرِهِ أَسْرَفْت وَضَيَّعْت وَغَرِمْت. قَوْلُهُ: (نَفَائِسُ) جَمْعُ نَفِيسَةٍ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الْأَوْقَاتِ بِمَا مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ كَالسَّاعَاتِ كَانَ أَوْلَى، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا أَنْفَقْت.

قَوْلُهُ: (شَبَّهَ إلَخْ) فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي الْمَصْدَرِ أَوْ لَا تَبَعِيَّةَ لِاشْتِقَاقِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَالْجَامِعُ الْوُصُولُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً، وَأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْمَالِ وَإِثْبَاتَ الْإِنْفَاقِ تَخْيِيلٌ. قَوْلُهُ: (شَغْلَ) .

قَالَ الدَّمِيرِيِّ: فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُهُ مَعَ سُكُونِ ثَانِيهِ، وَفَتْحُهُمَا، وَضَمُّهُمَا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَسْرَ الشِّينِ وَالْغَيْنِ وَسُكُونَ الْغَيْنِ مَعَ كَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحَ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَخْ) فَنَفَاسَتُهَا فِي ذَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تُصْرَفْ فِي شَيْءٍ. قَوْلُهُ: (لِلتَّنَافِي) أَيْ بَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْأَفْرَادِ، فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا تَنَافِي لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَفْضَلِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَهُوَ أَوْلَاهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ مَعًا، وَالْمُرَادُ بِالْأَصْحَابِ مُعْظَمُهُمْ، وَالتَّصْنِيفُ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُمَيَّزَةً كَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ. وَالْمَبْسُوطُ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ. وَالْمُخْتَصَرُ مَا قَلَّ لَفْظُهُ. وَلَا نَظَرَ لِلْمَعْنَى فَلَا وَاسِطَةَ. وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ صَنَّفَ فِي الْفِقْهِ فَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ جُرَيْجٍ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَشَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ. وَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلُومِ فَيُرَاجَعُ مِنْ مَحَلِّهِ وَمِنْهُ الْمُؤَلَّفُ الَّذِي جَمَعْنَا فِيهِ الْأَوَّلِيَّاتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْعَشَرَةِ) فَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَتْقَنُ) أَيْ أَحْكَمُ. وَالْمُحَرَّرُ الْمُنَقَّى الْمُهَذَّبُ، وَكَوْنُ الْمُحَرَّرِ مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ نَظَرًا لِلْأَشْهَرِ. قَوْلُهُ: (أَبِي الْقَاسِمِ) هِيَ كُنْيَةُ، وَالتَّكَنِّي بِهَا حَرَامٌ عَلَى وَاضِعِهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَشَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَدَيْهِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: زَادَهُ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَرْعًا) أَيْ فِيهِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى كُلُّ عَالِمٍ عَامِلٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَدْنَاكُمْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِأَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلْأُمَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَبَّهَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ الْمُصَرَّحَةِ، وَالْجَامِعُ مَا يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَقَاصِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَشْبِيهُ الْأَوْقَاتِ بِالْمَالِ فَتَكُونُ مَكْنِيَّةً وَإِثْبَاتُ الْإِنْفَاقِ تَخْيِيلٌ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِلَا عِبَادَةٍ) أَيْ أَمَّا الَّذِي فَاتَ مَشْغُولًا بِالْعِبَادَةِ فَلَا يُطْلَبُ تَعْوِيضُهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْجَارِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015