لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ (صَلَّى اللَّه وَسَلَم عَلَيْهِ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الدُّعَاءُ أَيْ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَزِدْهُ. وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ.
(أَمَّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا الصَّادِقِ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ (مِنْ أَفْضَلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSتَخْصِيصُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ شَيْخُنَا هَذَا فَوَاضِحٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُرْسَلٌ لِسَائِرِ الْخَلْقِ حَتَّى الْمَلَائِكَةِ وَالْجَمَادِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَعِدَّتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْهُمْ الرُّسُلُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ رُسُلُهُمْ كَجِبْرِيلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ، وَبَنَاتُ آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ اللَّوَاتِي خُلِقْنَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ مِنْ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ غَيْرِهِمَا دُعَاءٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْهُمْ كُلُّ لَفْظٍ فِيهِ دُعَاءٌ كَالرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ وَالرِّضَا، وَمَعْنَى صَلَاتِنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُ الصَّلَاةِ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ إمَّا لِزِيَادَةِ الْمَرَاتِبِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَنَا بِهَا، وَإِمَّا لِكَمَالِ الطَّالِبِ وَتَعْظِيمِ الْمَطْلُوبِ لَهُ فَهِيَ لَيْسَ مِنَّا، وَلِذَلِكَ لَا يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالسَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ، وَعَدَّى الصَّلَاةَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ لَهُ بِهَا لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ بِإِيهَامِ الذَّنْبِ، وَأَتَى بِالسَّلَامِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلصَّلَاةِ فِي الطَّلَبِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ لَفْظًا وَخَطًّا مَعًا، وَقِيلَ: لَفْظًا وَنِيَّةً، وَقِيلَ: لَفْظًا فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (فَضْلًا وَشَرَفًا) عَطْفُهُ مُرَادِفٌ أَوْ الْأَوَّلُ لِلْمَعَارِفِ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي لِلْأَخْلَاقِ الظَّاهِرَةِ، وَهُمَا وَلَدَيْهِ مَعْمُولَاتٌ لِزَادَ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَضْمُونُهَا بِبَقَائِهَا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ فَاسِدٌ، إذْ لَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا طَلَبًا لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ تَمَّتْ فِي الْحِسِّ كَعَكْسِهِ.
(تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَالصَّحْبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ مُفَادَهَا حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ بِذِكْرِ الْغَفَّارِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ فَتَأَمَّلْهُ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ قَدْ اخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الْحَمْدِ الْفَصْلَ، وَهُوَ عَدَمُ الْعَطْفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى اسْتِقْلَالِهَا، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالذَّاتِ وَعَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ، وَاخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْوَصْلَ، وَهُوَ الْعَطْفُ بِدُخُولِهِمَا فِي جُمْلَةِ التَّشَهُّدِ إيذَانًا بِالتَّبَعِيَّةِ لِتَمَيُّزِ رُتْبَةِ التَّابِعِ عَنْ رُتْبَةِ الْمَتْبُوعِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدُ) ذِكْرُهَا مَنْدُوبٌ تَبَعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ. وَلَا يُؤْتَى بِهَا إلَّا بَيْنَ أُسْلُوبَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَا دَاوُد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَزَلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مُوَضَّحًا، وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا، فَكَذَا فَهُمَا مُبْتَدَأٌ وَضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَيَكُنْ فِعْلُهُ، وَجُمْلَتُهُ هِيَ الْخَبَرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ تَامَّةٌ، وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَهْمَا، وَمِنْ شَيْءٍ بَيَانٌ لِمَا، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ شَيْءٍ هُوَ الْفَاعِلُ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِخُلُوِّ الْخَبَرِ عَنْ رَابِطٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَحُذِفَ مَهْمَا وَيَكُنْ، وَأُقِيمَ أَمَّا مَقَامَهُمَا اخْتِصَارًا وَتَفْصِيلًا لِلْمُجْمَلِ الْوَاقِعِ فِي الذِّهْنِ. فَحِينَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا لَزِمَهَا لُصُوقُ الِاسْمِ وَالْفَاءِ، وَعَمِلَتْ فِي الظَّرْفِ قَضَاءً لِحَقِّ مَا كَانَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَالظَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَرُوِيَ مَنْصُوبًا بِلَا تَنْوِينٍ لِنِيَّةِ لَفْظِهِ، وَرُوِيَ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا بِالْقَطْعَةِ عَنْهُمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالْأَخِيرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَرْسُمُ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيقُ فَضْلِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْكَوْنُ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ فَفَضْلُ الِاشْتِغَالِ ثَابِتٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوُجُودِ يَلْزَمُهُ الْوُجُودَ. قَوْلُهُ: (الِاشْتِغَالَ) أَيْ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ لَا بِطَلَبِهِمَا وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (الْمَعْهُودِ شَرْعًا) فَأَلْ فِي الْعَلَمِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِكُلِّ عِلْمٍ يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِ شَرْعًا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومَاتُ أَوْ إدْرَاكُهَا. قَوْلُهُ: (بِالْفِقْهِ إلَخْ) رَتَّبَهَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ فِي الرُّتْبَةِ وَنَظَرًا لِكَثْرَةِ الْوُجُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .