خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ فِيمَا حَكَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّدْقِيقَاتِ الْغَزِيرَةِ فِي الدِّينِ مِنْ كَرَامَاتِهِ مَا حُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ عَلَيْهِ لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ.
(وَهُوَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ (مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ) أَيْ أَصْحَابِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا (وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــSالرَّمْلِيُّ، وَقَدْ اشْتَهَرَ بِهَا الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ وَاضِعُهَا أَوْ هُوَ مِمَّنْ يَرَى حِلَّهَا بِأَنْ يُقَيِّدَ الْحُرْمَةَ بِزَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ بِهِمَا مَعًا كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (إمَامُ الدِّينِ عَبْدُ الْكَرِيمِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الِاسْمِ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَافِعٍ فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاسْمُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُؤَرِّخِينَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ النُّحَاةِ عَكْسُهَا.
قَوْلُهُ: (فِيمَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ قَاضِي قَزْوِينَ مُظَفَّرِ الدِّينِ قَالَ: رَأَيْت بِخَطِّ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ عِنْدِي فِي كِتَابِ التَّدْوِينِ فِي أَخْبَارِ قَزْوِينَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ انْتَهَى، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: هُوَ نِسْبَةٌ إلَى رَافِعَانِ بَلْدَةٌ مِنْ الْعَجَمِ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ: لَا يُعْرَفُ فِي نَوَاحِي الْعَجَمِ بَلْدَةٌ تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَعَلَى مَنْ قَالَ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى بَنِي رَافِعٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (الْكَثِيرَةِ) هُوَ مِنْ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِلْمِ) لَامُهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّهُ كَمَا نُقِلَ كَانَ إمَامًا فِي غَالِبِ الْعُلُومِ، شَدِيدَ الِاحْتِرَازِ فِي تَرْجِيحِهَا وَفِي نَقْلِهَا وَعَزْوِهَا لِأَهْلِهَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِهَا وَكَانَ الْعِلْمُ فِي أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ كَمَا فِي كِتَابِ الْأَمَالِي.
قَوْلُهُ: (فِي الدِّينِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ الرَّافِعِيُّ إمَامًا بَارِعًا فِي الْمَعَارِفِ وَالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ الْخَارِقَةِ تُوُفِّيَ بِقَزْوِينَ أَوَاخِرَ سَنَةِ ثَلَاثٍ أَوَائِلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَمَوْلِدُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِنَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَوْلُهُ: (مَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ النَّقِيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَوْلُهُ: (أَنَّ شَجَرَةً) قِيلَ إنَّهَا مِنْ الْعِنَبِ وَمِنْ كَرَامَاتِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ أَضَاءَ لَهُ أُصْبُعُهُ لَمَّا فَقَدَ فِي وَقْتِ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ سَبَّابَةُ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهَذِهِ أَبْلَغُ كَرَامَةً مِنْ إضَاءَةِ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُوقَدُ.
(تَنْبِيهٌ) أَصْلُ التَّحْقِيقِ إثْبَاتُ الْمَسَائِلِ بِالْأَدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَضَافَ الثَّانِيَ لِلدِّينِ، إشَارَةً لِغَزَارَةِ دِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ التَّصْنِيفِ أَوْ الرَّافِعِيِّ حِينَ التَّصْنِيفِ.
قَوْلُهُ: (الْفَوَائِدِ) جَمْعُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ لُغَةً كُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعُرْفًا كُلُّ مَصْلَحَةٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى فِعْلٍ: وَلَهَا أَسْمَاءٌ بِحَسَبِ الْمُرَادِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فِي تَحَقُّقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ صَوْغِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ الْمُحْكَمِ، وَالتَّدْقِيقُ عَلَى هَذَا إمْعَانُ النَّظَرِ وَالْغَوْصُ عَلَى غَوَامِضِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (الشَّافِعِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ شَافِعٍ، وَنَسَبُهُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ، وُلِدَ بِغَزَّةَ وَقِيلَ بِعَسْقَلَانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ بِمِصْرَ، وَدُفِنَ بِقَرَافَتِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَعَلَى قَبْرِهِ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالِاحْتِرَامِ مَا يُنَاسِبُ مَقَامَ ذَلِكَ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابُهُ) أَيْ فِي الْمَذَاهِبِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ مُطْلَقَةً أَوْ الرَّاجِحَةِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ. قَوْلُهُ: (مَكَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَجْرُورِ مَعًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الْأَفْضَلِ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوْلَى صَرْفُ الْأَوْقَاتِ النَّفِيسَةِ فِيهِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: مُفَادُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الْأَفْضَلِ، وَالْأَفْضَلُ فِي ذَاتِهِ مُتَفَاوِتُ الرُّتَبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بَعْضَ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ بَعْضُ الْأَفْضَلِ الَّذِينَ هُمْ الْأَنْبِيَاءُ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ، فَلَا تَنَافِيَ إنْ رُوعِيَ مَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَدْ أَكْثَرَ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَصْحَابُنَا) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ) أَيْ مِنْ تَصْنِيفِهَا أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّصْنِيفِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْمُصَنَّفَاتُ فَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مَجَازًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ، وَالصُّحْبَةُ هُنَا مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ) أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إمَامُ الدِّينِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الِاسْمِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُؤَرِّخِينَ لَا عَلَى اصْطِلَاحِ النُّحَاةِ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الِاسْمِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) جَمْعُ تَحْقِيقَةٍ وَتَحْقِيقُ الْمَسَائِلِ إثْبَاتُهَا بِالْأَدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُهَا بِالْأَدِلَّةِ وَإِثْبَاتُ الْأَدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ) أَخَذَهُ مِنْ دَلَالَةِ اللَّامِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِلتَّصْنِيفِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عُمْدَةٌ) خَبَرٌ ثَانٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَجَازًا إلَخْ) أَيْ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ مُصَرَّحَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُعْتَمَدٌ) خَبَرٌ ثَالِثٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ