له وإلهه معه واثروا رضاهم على رضاه وطاعتهم على طاعته وهو ولي الإنعام عليهم وهو خالقهم ورازقهم ومولاهم الحق اشتد مقته لهم وغضبه عليهم وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عيله تقدير خلافها ويستحيل عليه تخلف آثارها ومقتضاها عنها بل ذلك تعطيل لأحكامها كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها وكلا التعطيلين محال عليه سبحانه وتعالى فالمعطلون نوعان أحدهما عطل صفاته والثاني عطل أحكامها وموجباتها وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب فاجتمع فيه الأمران فإذا زال الغضب بزوال المادة الفاسدة بتغيير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الأحقاب عليها وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة عملت الرحمة عملها وطلبت أثرها من غير معارض يوضحه الوجه الحادي عشر وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من الانتقام والرحمة أحب إليه من العقوبة والرضا أحب إليه من الغضب والفضل أحب إليه من العدل ولهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه وقدره ويظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه وإذا كان ذلك أحب الأمرين إليه وله خلق الخلق وانزل الكتب وشرع الشرائع وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء لا قصور فيها بوجه ما وتلك المواد الردية الفاسدة مرض من الأمراض وبيده سبحانه وتعالى الشفاء التام والأدوية الموافقة لكل داء وله القدرة التامة والرحمة السابغة والغنى المطلق بالعبد أعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر والمشقة وقد عرف العبد أنه عليل وأن دواءه بيد الغني الحميد فتضرع إليه ودخل به عليه واستكان له وانكسر قلبه بين يديه وذل لعزته وعرف أن الحمد كله له وأن الحق كله له وانه هو الظلوم الجهول وان ربه تبارك وتعالى عامله بكل عدله لا ببعض عدله وأن له غاية الحمد فيما فعل به وأن حمده هو الذي أقامه في هذا المقام وأوصله إليه وانه لا خير عنده من نفسه بوجه من الوجوه بل ذلك محض فضل الله وصدقته عليه وانه لا نجاة