صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل ولا يزال غضبان والناس لهم في صفة الغضب قولان أحدهما أنه من صفاته الفعلية القائمة به كسائر أفعاله والثاني أنه صفة فعل منفصل عنه غير قائم به وعلى القوانين فليس كالحياة والعلم والقدرة التي يستحيل مفارقتها له والعذاب إنما ينشا من صفة غضبه وما سعرت النار إلا بغضبه وقد جاء في اثر مرفوع أن الله خلق خلقا من غضبه وأسكنهم بالمشرق وينتقم بهم ممن عصاه فمخلوقاته سبحانه نوعان نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة ونوع مخلوق من الغضب وبالغضب فانه سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي يتنزه عن تقدير خلافه ومنها أنه يرضى ويغضب ويثيب ويعاقب ويعطي ويمنع ويعز ويذل وينتقم ويعفو بل هذا موجب ملكه الحق وحقيقة الملك المقرون بالحكمة والرحمة والحمد فإذا زال غضبه سبحانه وتعالى وتبدل برضاه زالت عقوبته وتبدلت برحمته فانقلبت العقوبة إلى رحمة بل لم تزل رحمة وأن تنوعت صفتها وصورتها كما كان عقوبة العصاة رحمة وإخراجهم من النار رحمة فتقلبوا في رحمته في الدنيا وتقلبوا فيها في الآخرة لكن تلك الرحمة يحبونها وتوافق طبائعهم وهذه رحمة يكرهونها وتشق عليهم كرحمة الطبيب الذي يضع لحم المريض ويلقي عليه المكاوي ليستخرج منه المواد الرديئة الفاسدة فان قيل هذا اعتبار غير صحيح فان الطبيب يفعل ذلك بالعليل وهو يحبه وهو راض عنه ولم ينشا فعله به عن غضبه بغضبه عليه ولهذا لا يسمى عقوبة وأما عذاب هؤلاء فانه إنما حصل بغضبه سبحانه عليهم وهو عقوبة محضة قيل هذا حق ولكن لا ينافي كونه رحمة بهم وأن كان عقوبة لهم وهذا كإقامة الحدود عليهم في الدنيا فانه عقوبة ورحمة وتخفيف وطهرة فالحدود طهرة لأهلها وعقوبة وهم لما أغضبوا الرب تعالى وقابلوه بما لا يليق أن يقابل به وعاملوه أقبح المعاملة وكذبوه وكذبوا رسله وجعلوا اقل خلقه وأخبثهم وامقتهم له ندا