- ألا أراك إلا سادرا في حرم الله!. أما تخاف الله!. ويحك إلى متى هذا السفَه؟!.
- أيْ هذه.. دعي عنك هذا. أما سمعت ما قلت فيك؟. وتلا بعض تلك الأبيات.
- أخزاك الله يا فاسق.. ما علم الله أني قلت مما قلتَ حرفا، ولكنك إنسان بَهوت..
وإنها لشهادة فاضحة من شأنها أن تهدم كل الأقاصيص الخرقاء التي تبناها صاحب (حديث الأربعاء) عن فضليات ذلك العهد، ليوهم قارئه أن إقبالهن المزعوم على مخالطة ذلك الفاجر في الخلوات ليس إلا انطلاقا مع الحرية التي منحها الإِسلام للمرأة! وما تلك لعمر الله إلا حرية السفهاء الذين لا ينظرون إلى الحياة إلا من خلال الشهوات، ولو نظر إلى أعاضيه ابن أبي ربيعة في مقاييس الإِيمان وعلى ضوء الضوابط الإسلامية لما جاوز في تفسيرها قولَ الحكيم الحليم: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} وها هو ذا ابن أبي ربيعة يقول ما لم يفعل ويفتري الكذب على المحصنات الغافلات لِيُسهِم في إشاعة الفجور مع أعداء الإنسان والإِسلام، ثم يستيقظ ضميره النائم ذات يوم فيستغفر الله ويَشهد على نفسه بأنه لم يفعل شيئا من كل ما نسجه من هاتيك المحاورات المفتريات!!.
ومن غير المعقول أن يمر أديب كبير مثل صاحب (حديث الأربعاء) بتلك الموبقات دون أن يلاحظ عليها طابع الافتعال، الذي يصور أوضاع فارغين حيل بينهم وبن السلوك الرفيع، وتدفقت عليهم هبات الحكم الذي قصد إلى شل فاعليتهم البناءة، فلم يجدوا سبيلا لإثبات ذواتهم سوى ميادين الغواية، فراحوا يتسابقون لا صناعة ذلك الشعر الذي يترجمون به أحلامهم الكمينة في صور محسوسة يُخيَّل لقارئها أنها منتزعة من صميم الواقع!..
ولكن صاحب (حديث الأربعاء) ما كان ليهمه من تلك المرويات سوى الامتاع والاستمتاع، كما فعل في كتابه الآخر (على هامش السيرة) فأحسن العرض الفني بمقدار ما أساء إلى الحقيقة الواقعية، وهو المنهج نفسه الذي سلكه في كتابه عن الأدب الجاهلي