فرقاً يذهب بعدد من الأشهر، بعد إذ اعتبر المحرم رأس السنة الهجرية.

نعم إن الخلافات في الناحية الزمنية كثيرة متشعبة، ورأى ابن حزم يزيدها رأياً جديداً، ولكن الاطمئنان الذي يضيفه ابن حزم على آرائه يجعلنا نركن إليها وتفضلها، فهو وحده الذي يلقانا مطمئناً إلى التأريخ الذي حدثت فيه الموقعة، أو فرضت فيه الزكاة.

وليس هذا الاطمئنان مؤسساً على الغلو في الثقة بالنفس، والاعتداد بالرأي محض اعتداد، ولكنه قائم على الدقة والتمحيص.

وقد رأينا كيف استطاع ابن حزم، من هذا كله، أن يصحح كثيراً من السهو في التاريخ، كنسبة المقاولة في حديث الإفك إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة؛ وهو بتفضيله الحديث الصحيح على كل رواية أخرى من روايات أصحاب المغازي قد اتخذ لنفسه منهجاً واضحاً في معالجة المسائل التاريخية حيث موضوعها وزمنها.

وتمشت مع هذه الدقة الجازمة، والضبط الواثق، صفة أخرى استملاها أبو محمد من قوله بالظاهر. ولا شك أن طبيعة السيرة من حيث هي، ومن حيث بناؤها على الإيجاز لم تتح لأبي محمد أن ينطلق في انتزاع الأحكام من النصوص تأييداً لمذهبه، ولذلك لم تستعلن الظاهرية في تفسيره للأحداث، ولكنها حين تنفست في هذا المجال الضيق، جاءت طريفة تحمل الطابع الحازم الذي اشتهر ابن حزم، حين يطمئن إلى النص في مواجهة خصومه.

ومن ابرز الأمثلة على ذلك ما ذكره في غزوة بني قريظة، حين أمر الرسول أن لا يصلى أحد العصر إلا في بني قريظة، ونهض المسلمون، فوافاهم وقت العصر في الطريق، فقال بعض المسلمين: نصلي ولم نؤمر بتأخيرها عن وقتها؛ وقال آخرون منهم: لا نصليها إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصليها، فذكر أن بعضهم لم يصلوا العصر إلا ليلاً، فبلغ ذلك رسول الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015