صلى الله عليه وسلم، فلم يعنف من الطائفتين أحداًُ، قال ابن حزم بعد ذلك: " أما التعنيف فإنما يقع على العاصي المعتمد المعصية وهو يعلم أنها معصية، وأما من تأول قصداً للخير، فهو وإن لم يصادف الحق غير معتنف. وعلم الله تعالى أننا لو كنا هناك ما صلينا العصر في ذلك اليوم إلا في بني قريظة ولو بعد أيام، ولا فرق بين نقله صلى الله عليه وسلم صلاةً في ذلك اليوم إلى موضع بني قريظة، وبين نقله صلاة المغرب ليلة مزدلفة، وصلاة العصر من يوم عرفة إلى وقت الظهر. والطاعة في ذلك واجبة. " (?)
وليس ابن حزم صاحب مذهب في التاريخ بهذا وحده، ولكنه يتمتع بصفات المؤرخ النزيه المنصف على ما فيه من حدة وعنف. والنزاهة ميزة عامة عنده، لا تخص الكتابة في السيرة، لأن كتابة السيرة نوع من النقل، ولكنها تظهر في سائر ما كتبه من مادة تاريخية.
ومن المجانبة للإنصاف أن يتهم ابن حزم بأنه " كان متشيعاً في بني أمية منحرفاً عمن سواهم من قريش " كما يقول ابن حيان (?) - فإن مثل هذا الاتهام إساءة كبيرة إلى رجل عاش من طلاب الحق وعشاقه في القول والعمل.
فإن كان ابن حيان يعني بني أمية بالأندلس، فابن حزم كان يعرف لهم قيامهم بأمر الإسلام وجهادهم في سبيله، ويثني عليهم من هذه الناحية، أما إذا كان يعني بني أمية بالمشرق، فليس فيما كتبه ابن حزم ما يشير إلى شيء من التعصب لهم. وإن رسالته في تواريخ الخلفاء لتدلنا على أنه كان يرى إمامة ابن الزبير، ويعد مروان بن الحكم خارجاً عليه، ولا يثبت له حقاً في الخلافة (?) ، حتى إنه لقيول فيه، في موطن آخر: " مروان ما نعلم له جرحةً