ومن له أدنى نهمة في العلم، والتفات إلى ما جاءت به الرسل يعرف: أن المشركين من كل أمة في كل قرن ما قصدوا من معبوداتهم، وآلهتهم التي عبدوها مع الله تعالى إلا التسبب، والتوسل، والتشفع؛ ولم يدعوا الاستقلال، والتصرف لأحد من دون الله، ولا قاله أحد منهم، سوى فرعون، والذي حاج إبراهيم في ربه؛ وقد قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] . فهم في الباطن يعلمون أن ذلك لله وحده.
قال تعالى في بيان قصدهم ومرادهم: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} الآية [يونس: 18] .
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ) .
3 - ثم ذكر رحمه الله عدة آيات في أن عبادة المشركين لآلهتهم إنما كانت على أساس الشفاعة؛ لا على أساس الاستقلال، ثم قال:
(فأخبر تعالى: أنهم تعلقوا على آلهتهم ودعوهم مع الله للشفاعة والتقريب إلى الله بالجاه والمنزلة، ... ولم يريدوا منهم تدبيرًا، ولا تأثيرًا، ولا شركة، ولا استقلالًا؛ يوضحه قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31] ) .