رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} والميزان فسره السلف بالعدل، وفسره بعضهم بما يوزن به وهما متلازمان. وقد أخبر تعالى أنه أنزل ذلك كما أنزل الكتاب ليقوم الناس بالقسط. فما يعرف به تماثل المتماثلات من الصفات والمقادير هو من الميزان وكذلك ما يعرف به اختلاف المتخالفات. فإذا علمنا أن الله تعالى حرم الخمر لما ذكره من أنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء، ثم رأينا النبيذ يماثلها في ذلك، كان القدر المشترك الذي هو العلة، هو الميزان الذي أنزله له الله في قلوبنا لنزن به هذا ونجعله مثل هذا. فلا نفرق بين المتماثلين. فالقياس الصحيح هو من العدل الذي أمر الله به.
ومن علم الكليات من غير معرفة المعين فمعه الميزان فقط. والمقصود بها وزن الأمور الموجودة في الخارج وإلا فالكليات لولا جزئياتها المعينة لم يكن بها اعتبار. كما أنه لولا الموزونات لم يكن بالميزان حاجة. ولا ريب أنه إذا حصر أحد الموزونين واعتبر بالآخر بالميزان كان أتم في الوزن من أن يكون الميزان وهو الوصف الكلي المشترك في العقل، أي شيء حضر من الأعيان المفردة وزن بها مع مغيب الآخر ولا يجوز لعاقل أن يظن أن الميزان العقلي الذي أنزله الله هو منطق اليونان لوجوه أحدها: أن الله أنزل الموازين مع كتبه قبل أن يخلق اليونان من عهد نوح وإبراهيم وموسى وغيرهم وهذا المنطق اليوناني وضعه أرسطو قبل المسيح بثلاثماية سنة فكيف كانت الأمم المتقدمة تزن به. الثاني: أن أمتنا أهل الإسلام مازالوا يزنون بالموازين العقلية. ولم نسمع سلفًا بذكر هذا المنطق اليوناني، وإنما ظهر في الإسلام