كذلك. والإنسان قد ينكر أمرًا حتى يرى واحدًا من جنسه فيقر بالنوع ويستفيد بذلك حكمًا كليًا ولهذا يقول سبحانه {كذبت قوم نوح المرسلين * كذبت عاد المرسلين} ونحو ذلك. وكل من هؤلاء إنما جاءه رسول واحد. ولكن كانوا مكذبين بجنس الرسل، لم يكن تكذيبهم بالواحد بخصوصه.
ومن أعظم صفات العقل معرفة التماثل والإختلاف. فإذا رأى الشيئين المتماثلين، علم أن هذا مثل هذا فجعل حكمهما واحدًا، كما إذا رأى الماء والماء والتراب والتراب والهواء والهواء ثم حكم بالحكم الكلي على القدر المشترك. وإذا حكم بعض الأعيان ومثله بالنظير، وذكر المشترك كان أحسن في البيان، فهذا قياس الطرد. وإذا رأى المختلفين كالماء والتراب فرق بينهما وهذا قياس العكس.
وما أمر الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس، فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يعلم أن من فعل مثل ما فعلوا أصابه مثل ما أصابهم فيبقى تكذيب الرسل حدًا من العقوبة، وهذا قياس الطرد. ويعلم أن من لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس، وهو المقصود من الإعتبار بالمكذبين فإن المقصود إن ثبت في الفرع عكس حكم الأصل لا نظيره. والإعتبار يكون بهذا وبهذا قال تعالى {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب} وقال {لقد كان لكم آية في فئتين ... إن قوله ... إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} وقد قال تعالى {الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان} وقال {لقد أرسلنا