واعلم أن كلامَ هذين الإمامين يشير إلى أن الأحكام الشرعية منوطةٌ بالمعاني لا بالألفاظ، فلما وصف في الحديث البدعة بالضلالة ووصف المحدث بأنه ردّ، علمنا أنه لم يقصد إثباتَ هذين الوصفين لهذين اللفظين حيثما وُجِدا، فنحكم بالضلالة وبالرد على كل ما أُطلق عليه هذان اللفظان، إذ لا يسلك هذا النهجَ عالِمٌ متحقِّقٌ في علمه، ولا مطاعٌ في أمره.

كيف وقد تقرر في أصول الفقه أنه لا يصح التعليلُ باللقب لئلَّا يلزم أننا إذا عمدنا إلى بعض أصناف القردة فسميناه إنسانَ الغاب أن نحرم قتله، وأن نطالب قاتلَه عمدًا بالقود وقاتلَه خطأ بالدية، بعلة أننا سميناه إنسانًا، أو أن الشافعي يحرم أكلَ الحوت المسمَّى بكلب البحر؛ لأنه يحرم أكلَ الكلب، ونحن قد سمينا هذا الحوت كلبًا. ولو أن أحدًا قال بمثل هذا، لاتُّخِذ هزؤًا بين أهل العلم. (?) أما إلحاقُ بَوْلِ ما يُؤكل لَحمُه من الحيوان ببول الآدمي في النجاسة في مذهب الشافعي، فذلك من باب إثبات حكم الجنس لواحد من أفراده، بناءً على انتفاء الفارق بين البولين عنده. (?)

وبهذا التحرير يَظهر أن الخلافَ الواقع بين العلماء في صحة التعليل باللقب خلافٌ غير محُرَّر، ولو حُرِّرَ لمَا تُصُوِّر فيه خلاف. فتعين أن لا محيصَ من التدبُّر في المراد من مُسمَّى المحدَث والبدعة الموصوفة بأنها ضلالة وبأنه (?) رد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015