وظاهرُ كلامه أنه يخص البدعةَ بالابتداع في الدين، ولا يخصها بالعبادات. ومرادُه بالذم في كلامه الذمُّ الشرعي، وهو علامةُ التحريم. وأراد بقوله: "فليس بدعةً ولا ضلالةً" أنه ليس بدعةً هي ضلالة، أي: ليس حرامًا، فمرادُه بالبدعة في عبارته هذه أحدُ إطلاقيها. ودخل تحت قوله: "ومخالفة السنة" ما كان من البدعة مكروهًا، وهو ما شملته قواعدُها ولم تشمله قواعدُ الندب. فإن كونه بدعة مع عدم انتظار فائدة أخروية منه يوجب له الكراهةَ عند مالك؛ لأن المكروه يقال فيه مذموم على الجملة؛ لأنه ليس بحسن، إذ الحسن هو المأذون فيه. وقال إمام الحرمين: "ليس المكروه قبيحًا ولا حسنًا"، (?) ولا شك أن المكروه لا يقال له ضلالة. وأراد بقوله: "وهو سنة الخلفاء" ما كان مردودًا إلى قواعد الأصول في الندب أو الوجوب، وقوله "وهو سنة الخلفاء"، أي إحداث مثل هذا النوع.
وقال الغزالي في آداب الأكل من كتاب "الإحياء": "واعلم أنا وإن قلنا الأكل على السفرة أَوْلَى (أي لأنه الذي كان عليه عملُ السلف)، فلسنا نقول الأكل على المائدة منهيٌّ عنه نهيَ كراهةٍ أو نهيَ تحريم إذ لم يثبت فيه نهي. وما يقال إنه أُبدِعَ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس كل ما أبدع منهيًّا، بل المنهيُّ بدعةٌ تُضادُّ سنةً ثابتة وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علته. بل الإبداعُ قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب [وليس في المائدة إلا رفع الطعام عن الأرض لتيسير الأكل وأمثال ذلك مما لا كراهةَ فيه] ". (?) وظاهرُ كلامه أنه يُطلق البدعةَ على الأمر المحدث، سواء كان في العبادات أم كان في العادات.