وهؤلاء الحكماء قد دعوا وسعوا إلى إيجاد المدينة الفاضلة، وكان أكثرهم تنويهًا بها هو أفلاطون. فقد رام سولون (?) الحكيم إيجادَ المدينة الفاضلة بما شرع لأهل أثينا من قوانين العدل، ونظام الشورى. وقال بيتاقوس الحكيم: "إذا أراد الملك ضبطَ المملكة وجب أن يكون هو وخاصتُه وجنودُه مطيعين للقانون مثل سائر الرعية". (?) ورام أفلاطون إيجادَ المدينة الفاضلة بضبط قواعد تكوينها. وفيهم مَنْ كان انصرافُه إلى إيجاد المدينة الفاضلة أكثر من انصرافه إلى إعداد أمة فاضلة لها مثل سولون، ومَنْ كان انصرافُه إلى إصلاح النفوس لإعداد أمة فاضلة للمدينة الفاضلة مثل سقراط وأفلاطون.
كانت شكاياتٌ من الرسل والحكماء من سوء تلقِّي أقوامهم لنصيحتهم أوضح دليل على أن المدينة الفاضلة لم تلتئم، فما من الرسل السالفين إلا قائل: {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117)} [الشعراء: 117]، أو قائل: {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)} [الأعراف: 79]، أو قائل: {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 118]، أو قائل: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)} [المائدة: 25].
وربما فارق كثيرٌ منهم أوطانَهم، إذ أبوا أن يروا فيها الفساد، فقد قال إبراهيم: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)} [الصافات: 99]، وقال لوط: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ