فتظافر الفريقان وعملا على الأخذ بيد البشر في مزالق الضلال، ومهاوي السقوط، وانتشالهم من مخالب الهلاك، وجعل بمقدار تخلقهم بأخلاق الكمال وجريهم على طريق الهدى مقدارَ عروجهم في المعالي في عالم الخلود الذي لا فناءَ يعتريه، ولا حقائقَ تُقلب فيه. وجماعُ هذا الصلاح هو صلاح الاعتقاد، وصلاح العمل، وقد جمع ذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم عن أبي عمرة الثقفي، قال: "قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل آمنت بالله، ثم استقم"". (?)
ابتدأ أولُ دعاةِ الصلاح نوحٌ - عليه السلام - وهو أولُ رسول أُرسل إلى البشر - دعوتَه بتطهير العقيدة، ووجوب التوبة من الشرك، ولم يزدهم على ذلك، فعلمنا أن الله ابتدأ البشر بالترقي به إلى أُولى درجات الصلاح. وكذلك جاء إبراهيم قومه بالدعوة إلى التوحيد وإعلانه، وإلى مكارم الأخلاق، ورحل في بلاد الله يبث دعوته الصالحة بين البشر. ثم جاءت الرسل تترى، ما منهم إلا يأمر بالإصلاح العام، فقد قال هود لقومه: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)} [الشعراء: 130, 131]. وقال صالح لثمود: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]. وقال شعيب لأهل مدين: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]. وقرون بين ذلك كثير {مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78].