والرشاقة وحسن النغمة، وفي القسم الثاني نعد شرفَ النسب وعزةَ القبيلة وكرم الموطن وأمثال ذلك. فهذه صفاتٌ تتفق لِمَنْ تَلَبَّسَتْ به اتفاقًا، فإذا نشأ فيها بعثت فيه صفاتٍ من الكمال كحسن الأسوة بالسلف وكعزة النفس بعزة القبيلة والأريحية لحفظ سمعة الموطن.

فأما القسم الثالث فهو الكمالات الحقة، وهي الصفاتُ التي لا يترقب منها إلا آثارها، لما تحمل عليه موصوفها من اندفاع إلى الفضائل واجتناب للنقائص، مثل العلم والشجاعة والعدالة والعفة وما يتشعب عنها من فروعها وآثارها وتركيباتها من صبر وحلم وعفة ونحو ذلك من مكارم الأخلاق الإنسانية. ويكون حظ الفضيلة لمن اجتمع له نصيب منها بمقدار وفرة ذلك النصيب الكامن فيه حتى يبلغ منتهى صفات الرُّجلة المعبَّر عنها بالمروءة، كما قال الشاعر:

وَلَمْ أَرَ أَمْثَالَ الرِّجَالِ تَفَاوَتَتْ ... إِلَى الْفَضْلِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ (?)

فإذا بلغت تلك الفضائل المبلغ الذي الخارق للعادة كان المتصف بها مختارًا لاصطفاء الله إياه. وقد أشار إليه المعنى الجليل الذي في قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]. وأهل هذه الدرجة متفاوتون فيها، كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253].

وقد كان حظُّ محمد - صلى الله عليه وسلم - من تلك المحامد أعظمَ الحظوظ وأعلاها، إذ بلغ المنتهى مما يُتمدَّح بكمالها والاعتدالَ في أوساطها مما يُذمُّ طرفاه ويُحمد وسطُه، فكان بذلك أفضلَ الرسل، كما قال تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، وقال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253]، إذ المراد به محمد - صلى الله عليه وسلم -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015