الأسباب العادية والعرفية إنما تُعتبر كمالات أو نقائص لما يترتب عليها من المسبَّبات، إذ المنظور إليه هو المقاصد والغايات. فالحواس والجوارح تُعتبر كمالات للإنسان، إذ هي أسباب إدراكه وإتيان أعماله على وفق إدراكه. وإذ قد كان معظمُ ما تندفع إليه تلك الحواس والجوارح يفيد الإنسان كمالًا، اعتبر وجودها وقوتها كمالًا واعتبر عدمها أو ضعفها نقصًا، وكذلك الأمارات العادية تكون كمالًا أو نقصًا بذلك الاعتبار، فالثراء كمال عُرفي لما يتيسر به من الكرم وحفظ المروءة عن الاحتياج إلى الغير، كما قيل: "نعم العون على المروءة الجدة". فإذا شرفت نفس امرئ بالقناعة وعزة كمال الخلق لم يكن الفقر نقصًا فيه، كما قيل:
وَالْفَقْرُ فِي النَّفْسِ لَا فِي المَالِ تَحْسِبُهُ ... وَمِثْلُ ذَاكَ الْغِنَى فِي النَّفْسِ لَا المَالِ (?)
وهناك حالة أعجب من ذلك كله، وهي حالة ما إذا تعطلت مسببات الأسباب فتصبح تلك الأسباب معدودة من النقائص لتخلف حصول (أسبابها) مع