ملكةٌ خاصة لا تتأتَّى لغير المتعلم بعد ممارسة طريقة التعليم التي يرتاض بها المتعلم تدريجًا من معرفة كتابة الحروف والنطق بالكلام المكتوب ليعاود ما يُملَى عليه، حتى يصير وعي ما يُلقى إليه من العلم وتعلقه بعقله سهلًا عليه. (?)
وقوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 3 - 5] "، تهدئةٌ لروع رسوله واستئناسٌ له؛ لأنه لما استصعب واستعظم تكليفَه بالقراءة في حين أنه أمِّيٌّ ليس بقارئ أعلمه الله بأن الله الذي خلق في الإنسان القابليةَ المادية للعلم بالكتابة ويسَّر له (?) ذلك في أصل الخلقة، هو قد علم الإنسان ما لَمْ يعلم، فحيث أمرك بالقراءة فامتثلْ ولا تستعظم ذلك، إلا أن هذا التعليم جاء على خلاف المعتاد المتعارف. فالكلامُ مسوقٌ مساقَ الاستدلال، مع الإشارة إلى أن المخاطَب ما هو إلا إنسانٌ أراد الله أن يعلمه ما لم يعلم بدون احتياج إلى سبق تعلم الكتابة. وفي تفسير محيي السنة البغوي: "قيل إن المراد بالإنسان في هذه الآية محمد - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى في الآية الأخرى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)} [النساء: 113] "، (?) وهو مَنْزَعٌ حسن.
إن المحاسن الإنسانية المعدودة كمالاتٍ هي ثلاثة أقسام: قسمٌ هو جِبِلِّيٌّ بأصله وأثره، وقسمٌ هو جِبِلِّيٌّ بأصله وكَسْبِيٌّ بأثره، وقسم هو كَسْبِيٌّ بأصله وأثره معًا. فالقسم الأول هو المحاسن الذاتية المحضة التي لا تتعلق بالروح كالصباحة