يغوصوا بالنظر، واتبعوا أدلةً ظاهرية، فقالوا إن آباء رسول الله الذين كانوا على دين قومهم [فهم] (?) غيرُ ناجين يوم القيامة.
وهذا قولُ مَنْ يرى أن الإيمانَ بالله ووحدانيته واجبٌ بالعقل لا بالشرع، وهو قولُ جمهور الماتريدية وكافة المعتزلة. ورأوا أن شأنَ العرب كلِّهم في تلك العصور هو الشرك، وأن أحاديثَ كثيرةً دلت على عقوبة مشركي العرب على شركهم في الآخرة، وأن رسول الله قال لأعرابي سأله عن أبيه: "في النار". (?)
وأنا أجيبُ عن هذا بأنا لو سلَّمْنا أن الإيمان واجبٌ على الناس بدلالة العقل، فمَنْ أنبأنا بأن أبَوَيْ رسولِ الله وآباءَه كانوا على دين قومهم ولم يكونوا مِمَّنْ رفض عبادةَ الأصنام وتوخَّى الحنيفيةَ ما استطاع؟ وأنهم لم يكونوا يتظاهرون بذلك؛ إذ لا موجِب للتظاهر به إذ لم تكن لهم قدرةٌ على تقويم دين قومهم ولا شريعةٌ توجب عليهم تغييرَ المنكر؟
وربما كان التظاهرُ به يوجب نفورَ قومهم منهم، فيضيع بذلك كثيرٌ من مساعيهم لخير قومهم وعمارة كعبتهم، وليس وجود أحد في أمة تدين بالشرك يقتضي أن يكون الموجودُ بينهم هو على ملتهم.
وأما الحديث الذي رواه مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أعرابيًّا سأل رسول الله عن أبيه فقال له: "في النار، فقال له: وأين أبوك يا رسولَ الله؟ قال: في النار"، (?) فقد أجاب عنه العلماء بوجوه أحسنُها أن الراوي - وهو حماد بن سلمة - رواه بالمعنى فغلط فيه؛ لأنه قد رواه معمر بن ثابت عن أنس أنه لمَّا قال