بالأحوال الإضافية المنجرة من غيره: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]. فالزكاء الأخروي لا يُؤْثِرُ وجودُه ولا عدمُه شرفًا في الدنيا والآخرة قبل مجيء الشريعة؛ إذ التديُّن بدين باطل أو بالكفر والشرك لا ينافي كرمَ العنصر ولا شعارَ السؤدد. فكمْ مِنْ سادةٍ وكرامٍ وقادةِ أممٍ كانوا في العرب وغيرهم بلغوا من شرف المحتد ومرتقى السُّؤدد مبلغًا بعيدًا، ولم يكونوا متقلِّدين دينًا صحيحًا! وكم مِنْ صالحي قوم وطلاب نجاة كانوا ضعفاءَ لا يُؤبه بهم، وقد قال قومُ شعيب له: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)} [هود: 91]. وكان حاتم الطائي وهرم بن سنان وعبد الله بن جدعان من أكبر سادة العرب من المشركين.
وفي الحديث: "الناسُ معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام". (?) فلو كان آباءُ رسول الله أو بعضُهم على دين العرب في الجاهلية كما كان آباء أفاضل المسلمين من الصحابة، لما كان ذلك مُخِلًّا بما يثبت لهم من كرم العنصر وشرف السؤدد ولا منقصًا من قدر الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ولكن عِظَمَ قدر الرسول وكرامته على ربه زَوَتْ له من عند ربه الكريم جميعَ ما به التفاضل والاعتبار، فضم إلى كرم عنصره في الدنيا شرفَ آبائه في الآخرة. والشرف الأخروي يتقوَّم بالنجاة من العذاب وبرفع الدرجات في دار الثواب.
ولعلماء الإسلام في تحقيق مقام آبائه - صلى الله عليه وسلم - من هذا الشرف أقوال، فكأن جماعةً قليلة نظرت إلى ما يقتضي أن هذا الشرفَ لا ينتفع به غيرُ صاحبه، وليس هو كالشرف في الدنيا يعد عدمُه أو الضعفُ فيه نقصًا بين أهلها. فمن أجل ذلك لم