وقال بعضُ الشراح: المراد مَنْ عامل بهاته الأفعال حضرةَ الرسول عليه الصلاة والسلام (ومعاملة الرسول بذلك ومواجهته به كفر لا محالة)، فيكون المرادُ من الضمير في مثله المتكلم وحده، وهذا لا يستقسم في نحو "فليس منهم". وقال بعضهم: المراد مَنْ فعله مستحِلًّا له مع علمه بأن الرسول حرمه، وهذا أبعدُ التأويلات لاحتياجه إلى كثرة التقادير التي لا يهتدي إليها السامع. وأنا أرى في تأويل هذه الآثار تأويلَيْن هما أحسنُ مِمَّا تأول به المتقدمون:
التأويل الأول: نسلك فيه طريقَهم الذي سلكوه، وهو اعتبار لفظ "ليس منا" مستعملًا في كلام العرب للنفي من النوع، وأنه مستعمل في الحديث على ضرب من المجاز، فنقول:
إن المُتلبِّسَ بالفعل الذي يكثر أن يلتبس به غيرُ المسلمين يكون مشابِهًا بسببه لغير المسلم، فنخبر عنه بأنه غيرُ المسلم على طريقة الاستعارة في المنفرد، بسبب أن المنهيات كلها كانت من شعار الجاهلية أهل الشرك، وصار التعففُ عنها من شعار المسلمين، كما يشهد له حديثُ الصحيحين عن أبي ذر أنه سبَّ رجلًا بأمه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، (?) وحديثُ الموطأ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي بالناس، وكان في المسجد محجن الديلمي فلم يقم للصلاة؛ لأنه كان صلَّى في بيته، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منعك أن تصلِّيَ مع الناس؟ ألستَ برجلٍ مسلم؟ "، (?) وفي حديث جميلة بنت أُبَي زوجة ثابت بن قيس أنها شكت لرسول الله ثابتًا فقالت: "ولكني أكره الكفر في الإسلام"، (?) تريد خشية الزنا.