هذا وإنِّي أرى أن للاختلاف بيننا في قبول هذا الحديث مرجعًا نرجع إليه، وهو أصلُ الاختلاف في أصل عام يجري في هذا الحديث وأمثاله، ألا وهو أصلُ تغليب جانب التهمة والحذر في قبول الرواة، أو جانب حسن الظن والتسامح. وهما مقامان معلومان من قديم لأئمة الحديث، وبهما كان التفاوتُ في مراتب ضبط المحدثين وتمحيصهم ونقدهم. فقد كان عمر بن الخطاب يقول: "المسلمون عدولٌ بعضهم على بعض"، (?) ثُم لَمَّا حدثت شهادةُ الزور قال عمر: "لا يؤمّر أحدٌ في الإسلام بغير عدول" (?).
نشأ عن ذلك اختلافُهم في هل الأصلُ في الناس هو الجرح أو العدالة. ومذهبُ المحققين - وفي مقدمتهم مالك بن أنس - أن الأصلَ في الناس هو الجرح، فلذلك قال: لا يُقبل مجهولُ الباطن، وإن كان مستورَ الظاهر. وعلى هذا القول درج جمهورُ التحقيق والضبط. (?)