ومن الناس مَنْ قال: الأصلُ في الناس العدالة، وقبلوا مستورَ الظاهر وإن جُهل باطنُه. وإلى هذا ذهب الأقلُّ، منهم أبو حنيفة، وابن فورك ومسلم الرازي من الشافعية. ولكن إذا ظهر موجِبُ الجرح بطل الخلاف. (?)
وفي الناس متساهلون يظنون الخير، ويتلقون الأخبار عن كل مسلم، إلى أن بلغ الحالُ ببعضهم أن عد تمحيصَ الرواة من قبيل الغيبة فأنكره على ابن معين قائلُهم:
وَلابْنِ مَعِينٍ فِي الرِّجَالِ مقالةٌ ... سَيُسْأَلُ عَنْهَا وَالإلَهُ شَهِيدُ
إِنْ كَانَ حَقًّا قَوْلُهُ فَهْوُ غِيبَةٌ .... وَإِنْ كَانَ زُورًا فَالْعِقَابُ شَدِيدُ (?)
وطريقةُ إمامنا مالك ونظرائه - أئمة النقد - هي الطريقةُ المثلى، وعليها كانت سنتُه في تهذيب كتاب الموطأ عامًا فعامًا. وقد قال ابن أبي حاتم: "قلت ليحيى بن معين: لماذا مالك قل حديثُه؟ فقال: لكثرة تمييزه". (?) وقد كان يأتي في ذلك بتشديد