استقرائهم حكمًا كليًّا يتعلق بذات الحديث المروي، وليس حكمًا جزئيًّا متعلقًا بأسانيده، وهذا مقامٌ شديد في الحكم. ونظيره قولُ الإمام أبي عبد الله البخاري في باب مَنْ أُهْدِىَ له هديةٌ وعنده جلساؤه [فهو أحق بها]: "ويُذكر عن ابن عباس أن جلساءَه شركاؤه، ولم يصح"، (?) أي لم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعين البخاري سندًا، بل جزم بعدم صحة المروي.

ولأجل حكمهم على ذات حديث: "أنا مدينة العلم" بالوضع، صار هذا الحديثُ سببَ الطعن في أبِي الصلت، (?) حتى إنك لتجد في كلام بعضهم الاعتراضَ على مَنْ عدَّل أبا الصلت بقوله: أليس قد روى حديث "أنا مدينة العلم"، كما ذكره الحاكم في المستدرك عن العباس بن محمد الدوري عن صالح بن حبيب. (?)

ثم إن جماعةً تظاهروا على أن أبا الصلت وضع هذا الحديث عن أبي معاوية، وذكر قليلٌ منهم أن أبا معاوية حدَّث به ثم كف عنه. وعلى كل حال، فكثرةُ الاختلاف فيه وشدة عناية الأئمة بالفحص عن رواته يُؤْذِنُ بأنه حديثٌ لم يكن معروفًا عند الحفاظ، وأنه طلع على هذه الأمة طلوع الشواظ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015