وقال الشيخ في موضع آخر من الإشارات (?): "وكان لهم رجلٌ يعرف بفرفوريوس، (?) عمل في العقل والمعقولات كتابًا بنى المشّاؤون عليه. وهو حَشَف كله، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم لا يفهمونه، ولا فرفوريوس نفسه". (?)
ثم ارتقى الشيخُ فاقتبس من حكمة الإشراق أهمَّ مسائل الإلهيات، ورجَّحها في ذلك على حكمة المشائين، ولقّب حكمةَ الإشراق بالحكمة المتعالية. (?) وضمّ إليها ما هو من فيوضات عقله ومنتجات أقيسته وآثار حَدْسه وكشفه، فاجتمعت له من مدرسة الحكمتين طريقةٌ جديدة في الحكمة خاصة به، وشارف بذلك أن تكون له حكمة جديدة.
وقد نحا في صنعه هذا منحى حكماء الإسلام في الطب والكيمياء والفلك والجغرافيا، وهي الطريقةُ التي تُدعى طريقةَ التصحيح والتفريع، وأحسب أن الشيخ أولُ من نَحَا هذا المنحى في الفلسفة. بيد أن الطريقة التي توخّاها إنما يظهر مفعولُها نافعًا في خصوص علم ما وراء الطبيعة، وهو الكلي والإلهي؛ إذ قد يُجدي الذوقُ والإشراقُ في هذا العلم، ولا يظهر لها نفعٌ في العلوم التي أدلتها البراهين. ومَنْ شاء أن يظهر له هذا جليًّا فليطلبه من مباحث الأجرام السماوية وحركاتها من "كتاب الإشارات". (?)