"انظروا معاشرَ المتعلمين، هل أتى بعده أحد زاد عليه، أو أظهر فيه قصورًا، أو أخذ عليه مأخذًا، مع طول المدة وبُعد العهد؟ بل كان ما ذكره هو التامّ الكامل، والميزان الصحيح، والحق الصريح". ثم قال في شأن أفلاطون: "أما أفلاطن الإلهي فإن كانت بضاعته من الحكمة ما وصلنا من كتبه وكلامه، فلقد كانت بضاعتُه من العلم مزجاة". (?)

والسببُ الذي أشار إليه الشيخ بكلامه هذا هو الذي دفع معظم فلاسفة الإسلام إلى الإقبال على الحكمة المشّائيّة لوفرة مادتها وكثرة مصنفات إمامها؛ لأن تصانيف أفلاطون كانت قليلة وقصيرة، مثل كتابه المسمى "طيماوس"، وكتابه المسمى "بوليطيا" وهما في الإلهيات. وقد كان مأثورًا عن أفلاطون أنه كان يصون الفلسفة عن التدوين كيلا يتناولها مَنْ ليس أهلًا للتخلّق بها. ثم إن الشيخ أبا علي لَمَّا اكتهل شبابُه، وجذم نابُه، وفاض بالحكمة وِطابُه، بدت له وجوهٌ من النقد للحكمة المشّائيّة، فكان يعزو أغلاطَها للذين دؤنوا كلامَ أرسططاليس وينزّه إمامَهم، ولا سيما في العلم الإلهي.

فمن ذلك قولُه في كتاب الإشارات: "إن قومًا من المتصدِّرين يقع عندهم أن الجوهر العاقل إذا عقل صورةً عقلية صار هُوَ هِيَ". (?) قال نصير الدين الطوسي في شرحه: "قصد إبطالَ مذهبٍ فاسد كان مشهورًا عند المشائين بعد المعلم الأول". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015