كانت أقرب البلاد إلى الأندلس، في اتساق الصلات العلمية، واطرادها وانعكاسها، البلاد التونسية، منذ افتتح موسى بن نصير الأندلس من تونس. وازداد هذا التقارب بقيام الدولة المرابطية، وجمعها القطرين - مع سائر الأقطار المغربية - في حكم سلطنة واحدة، وانبناء الدولة الموحدية - بعد - على ذلك الأساس، ثم بما تكون عند تشتت الدولة الموحدية من صلاتٍ خاصة مقرِّبة بين القطرين الأندلسي والتونسي، في أول القرن السابع، عند ازدهار الدولة الحفصية بتونس، صلاتٍ طمَّ بها سيلُ علماء اللغة الأندلسيين على البلاد التونسية الأعلام الذين اشتمل عليهم برنامجُ ابن جابر ورحلة ابن رشيد (?)، ورحلة العبدري (?)؛ إذ توطنها ابن الأبار، وابن الغماز، وحازم القرطاجني، وابن عصفور، واللبلي، وآل ابن سعيد، وهم - في موضوعنا - بيتُ القصيد: فقد آوى إلى تونس - منتصفَ القرن السابع - ثلاثةٌ من نبلاء هذا البيت المجيد، هم موسى بن سعيد العنسي، وابنه الكاتب الرحالة علي بن موسى، وصاحب كتاب المغرب، وقريبُهما محمد بن الحسين بن سعيد بن الحسين بن سعيد العنسي، وعقد لذكرهم جميعًا المقري في نفح الطيب فصلًا مسهبًا، بمناسبة ترجمة علي بن سعيد، في الباب الخامس "في التعريف ببعض من رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق" (?).
والمقصود من بينهم - هنا - هو ثالثهم: أبو عبد الله محمد بن الحسين، فقد ذكره ابن خلدون في فصل علم اللغة من المقدمة، عقب الكلام على ابن سيده وكتابه المحكم، فقال: "ولخصه (المحكم) محمد بن أبي الحسين، صاحب المستنصر من