ملوك الدولة الحفصية بتونس، وقلبَ ترتيبَه إلى ترتيب كتاب "الصحاح" في اعتبار أواخر الكلم وبناء التراجم عليها، فكانا توأمَيْ رحم، وسليلَيْ أبوة". (?) وإجمال عبارة ابن خلدون هذه ربما يفيد أنهما كتاب واحد، مبني على تلخيص وقلب وترتيب، ولكن المحقق أنهما كتابان.
وورد في "تاريخ آداب اللغة العربية" لجرجي زيدان أن لكتاب "المحكم" اختصارًا موجودًا في المتحف البريطاني بخط مغربي قديم، نسبه لمحمد الأنسي المتوفَّى سنة 680 (?). والأظهر أنه لم يهتد إلى تمام الاسم، وأن "الأنسي" هي تصحيف "العنسي"، وأن هذا الكتاب هو الذي أشار إليه ابن خلدون، وهو المفصَّل وصفُه في فهرس المتحف البريطاني (الملحق الثالث 228، 229). وهي نسخةٌ بخط المؤلف في جزءين غير تامة، يستفاد من خطبتها صريحًا أنها "خلاصة المحكم"، وأن للمؤلف كتابًا آخر هو "ترتيب النسخة الكبرى من المحكم" (?).
ولما غلبت الهجرة على أعلام اللغة من الأندلسيين في القرن السابع - وكانت أكثرُ رحلتِهم إلى تونس كما أسلفنا - تأتَّى لعلماء اللغة وأهل الرواية والوافدين على تونس من الاتصال في الاستفادة والإفادة بالأندلسيين والفاسيين، والمراكشيين، والتلمسانيين، والبيجائيين، والقسنطبيين، بله التونسيين، ومن الرحلة إلى المشرق، والاتصال بالوافدين من المشرق عليهم، ما صاروا به المستودَع والمرجع في أصالة الملكة العربية، وصحة الإسناد فيها، وضبط اللغة، ورواية كتبها، والقيام على شواهدها، وما جعل تصانيفَهم وأسانيدهم التي تضمنتها فهارسهم وبرامجهم ومشايخهم، مدارَ رواية اللغة في البلاد المغربية قاطبة.