وأنت خبيرٌ بأن بين المعنيين بونًا يُعدُّ ادعاءُ سرقة بشار منه ظلمًا لبشار، فإن كان لمجرد ذكر لفظ الجِلْد فيجب أن يكون من قال لفظًا في شعره يُعدّ على مَنْ يستعمل مثله سرقة. وقال الإمام المرزوقي في "شرح الحماسة" قولُ الأحوَص الأنصاري:
إِنِّي إِذَا خَفِيَ الرِّجَالُ وَجَدْتَنِي ... كَالشَّمْسِ لَا تَخْفَى بِكُلِّ مَكَانِ
إن بشارًا أخذه في قوله:
أَنَا المُرَعَّثُ لَا أَخْفَى عَلَى أَحَدٍ ... ذرَّتْ بِيَ الشَّمْسُ لِلْقَاصِي وَلِلدَّانِي (?)
ومثلُ هذا المعنى مِمَّا تتوجه إليه قرائحُ الشعراء كثيرًا، فلا حظَّ لواحد منهم دون آخر إلا بمقدار حسن تصرفه في التعبير عنه. والأديب اللبيب لا يمتري في حسن تصرف بشار فيه لعدوله عن تشبيهه بالشمس إلى جعل الشمس تطلع به، فسلك طريقةً التجريد المتضمنة للتشبيه، وهي أدقّ، لا سيما إذا كان التشبيه مطروقا.
والتحقيق أنه لا يخلو شاعرٌ عن أن يُلِمَّ في شعره ببعض معاني الشعراء وبعض تراكيبهم، ولا يُعدّ ذلك سرقة. وقد صدر ذلك من العرب ومَن بعدهم،