بمقدرته على الالتحاق بشأن العرب الخلَّص، أم كان من جهة نسج نظمه، فيأتي على طريقة العرب في أساليب تراكيب الجمل عندهم وفي توخي الكلمات الواقعة في أشعارهم، وكل ذلك دليل على سعة علمه بالعربية الحقة وسلامة ذوقه، وقد أفصح عن عنايته هذه لِخلَفٍ الأحمرِ حين سأله عن وقوله:
بَكِّرَا صاحِبَيَّ قَبْلَ الهَجِيرِ ... إِنَّ ذَاكَ النَّجَاحَ فِي التَّبْكِيرِ (?)
كما سنذكره. وقد كان التنافسُ في التحاق شأوِ شعراء الجاهلية مرمى همم الشعراء والعلماء في ذلك العصر، حتى إن خلفًا الأحمر كان يتبجح بأنه يستطيع أن يضع في شعر كل واحد من شعراء الجاهلية أبياتًا، أو يعزوَ إليه قصائدَ تشتبه بشعره أتَمَّ الاشتباه. وقد قيل: إنه وضع اللامية التي أولها: "أقيموا بني أمِّي صدورَ مطيَّتكم" ونسبهما إلى الشنفَرَى لهذا الغرض، وإنه وضع القصيدة التي أولها:
إِنَّ بِالشَّعْبِ الَّذِي دُونَ سَلْعٍ ... لَقَتِيلًا دَمُهُ مَا يُطَلُّ
وعزاها إلى الشنفرى أيضًا (?).