التفصيل في الأبيات الثلاثة كأنه شيء واحد؛ لأن كل واحد منهم شبه لمعان السيوف في الغبار بالكواكب في الليل، إلا أنك تجد لبيت بشار من الفضل ومن كرم الموقع ولطف التأثير في النفس ما لا يَقِلُّ مقدارُه ولا يمكن إنكاره، وذلك لأنه راعى ما لم يُراعه غيره، وهو أنْ جعل الكواكبَ تَهَاوى فأتَمَّ التشبيه، وعبّر عن هيئة السيوف وقد سُلَّت من الأغماد وهي تعلو وترسُب، وتجيء وتذهب، ولم يَقْتصر على أن يريَك لمَعانَها في أثناء العجاجة كما فعل الآخران، وكان لهذه الزيادة التي زادها حظٌّ من الدقة تجعلها في حكم تفصيل بعد تفصيل" (?).

قال أئمة الأدب: حام حول هذا المعنى من التشبيه كثيرٌ من الشعراء، فلم يبلغوا مبلغَ بشار، مثل منصور النُّميري ومسلم بن الوليد وابن المعتزّ والمتنبّي. وقد بينتُ ذلك عند شرح هذا البيت، وليس هذا بالتشبيه الوحيد لبشار، فإن له تشبيهاتٍ بديعة، كقوله في وصف خفق السراب في فلاة:

كَأَنَّ فِي جَانِبَيْهَا مِنْ تَغَوُّلِهَا ... بَيْضَاءُ تَحْسِرُ أَحْيَانًا وَتَنْتَقِبُ (?)

التغوّل: التلوّن، أي: مختلف اضطراب السَّراب للناظر مرة يغشى منظره ومرة يتجلّى، وكأنّ تلك الفلاة امرأة حسناء تكشف القناع تارة وتنتقب أخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015