ثم إن بشارًا قد رُزق ذهنًا وقّادًا وفطرةً سليمة، ثم أعانه على نماء ذلك فقدُ بصره، فقوي خيالُه، وأيضًا إحاطة حفظه وعلمه. ثم قُدِّر له أن رُبِّيَ بين فصحاء العرب في بني عُقيل، وسكن البصرة التي هي مصر البادية العربية، وهي سوق سائر العرب يومئذ، وفيها تسمع مبتكرات أشعارهم ومحفوظاتهم من أشعار سلفهم، ولذلك كان النحوُ العربي مقرُّه البصرة.
نبغ بشارٌ في خلافة هشام بن عبد الملك، أيام عَظُمَ مُلك الإسلام، واجتمعت أمتُه تحت دولة واحدة. قال الخطيب في تاريخ بغداد إن "بشارًا قال الشعر ولم يبلغ عشر سنين" (?). وقد قال بشار: "هجوت جريرًا فاستصغرني، وأعرض عني، ولو أجابني لكنتُ أشعر الناس". (?)
وفي الأغاني أن أحمد بن المبارك قال: "قلت لبشار: ليس لأحد من شعراء العرب شعرٌ إلا وقد قال فيه شيئًا استنكرتْه العربُ من ألفاظهم وشُكَّ فيه، وإنه ليس في شعرك ما يُشَكُّ فيه. قال (بشار): ومن أين يأتيني الخطأ؟ وُلدتُ ها هنا، ونشأتُ في حجور ثمانين شيخًا من فصحاء بني عُقيل، ما فيهم أحدٌ يعرف كلمةً من الخطأ. وإن دخلتُ إلى نسائهم فنساؤُهم أفصحُ منهم، وأيْفَعْتُ فأُبْدِيتُ (أي سكنت البادية) إلى أن أدركتُ، فمن أين يأتيني الخطأ؟ " (?)
وقد قال في وصف شعره: