والنّابغة الذبياني، والأعشى ميمون، وعُمر بن أبي ربيعة. فأما المهلهل فهو أول من هَلْهَلَ الشعر، كما قال أئمةُ الأدب في وجه تلقيبه بالمهلهِل، ومعنى هلهل الشعر: رقّقه وحسّنه (?). واما امرؤ القيس فقد ابتكر التشبيهات البديعة، ووصَفَ مجالسه مع النساء. وأما النابغة فقد ذكر المقاولاتِ والاعتذارات، ووصف مجالس الملوك. وأما عُمر بن أبي ربيعة، فقد ابتكر وصفَ أحوال النساء في مجالسهن الغزلية. وكلُّ هؤلاء لم يَعْدُوا الطريقةَ المعروفة عند العرب.
أما بشار بن برد فقد أحدث طريقةً وسطًا، فهو آخرُ المتقدِّمين؛ لأن لهجةَ شعره وجَزالة ألفاظه ورواجَ اللغة العربية في شعره وطريقتَه العربية في كثير من شعره، وذِكْرَه مفاخر القبائل وأيامها وانتصارها، كلُّ ذلك لم يقصر في شيء منه عن المتقدمين، وكان يحتذي حذوَه في هذه الصفة البحتري في شعره.
وبشار أولُ المولدين؛ لأن امتلاء شعره بالمعاني الجديدة والعادات الحضرية من نسيب رقيق وخمريات وزَهريات وهجاء مقذع، مع النُّزوع إلى بعض العناية بالمحسنات اللفظية والمعاني العلمية؛ كُلُّ ذلك سُنّة خالف بها طرائقَ الشعر العربي القديم، وقد سنها للمولَّدين، فهم يقتفون آثاره، ويلحقون غباره. وأولُ مَنْ اقتفى طرائقَه سَلْمٌ الخاسر وأبو نُوَاس ومسلم بن الوليد وأبو تمّام، وكلٌّ في ناحية من نواحي شعر بشار، على تفاوتٍ فيهم من إكثار وإقلال.