شعره، نبَّهتُ عليه في مواضعه. ولقد كان قويَّ الحافظة، مطلعًا على شعر العرب ومَنْ بعدهم. وفي أمالي الزجاجي عن أبي حاتم قال: "أنشدتُ أبا زيدٍ قولَ بشار (?):
أَدَيْسَمُ يَابْنَ الذِّئْبِ مِنْ نَسْلِ زَارِعٍ ... أَتَرْوِي هِجَائِيَ سَادِرًا غَيْرَ مُقْصِرِ
فقال: لِمَنْ هذا الشعر؟ قلت: لبشار في ديسمٍ العَنَزي. قال: قاتله الله! ما أعلمَه بكلام العرب! ثم قال: الدّيسَم: ولد الذئب من الكلبة، ويُقال للكلاب: أولاد زارع. والعِسْبار: وَلَدُ الضَّبُع من الذئب، والسِّمع: وَلَدُ الذئب من الضَّبُع". (?)
ومن دلائل سَعة علمه بالعربية أنا نجد في شعره ألفاظًا كثيرة وتصريفاتٍ خلت عن ذكرها كتبُ اللغة، كما سنذكره في مبحث توسع بشار في اللغة.
كانت قبائل البادية من العرب في عصر الجاهلية تتوخّى النزولَ حوالَي المدن العربية مهما وجدت إلى ذلك سبيلًا؛ لأن المدن كانت أسواق العرب، وفيها ما يحتاجه أهلُ البادية من المصنوعات والطعام إن احتاجوا إليه، مثل مكة ويثرب وحجْر اليمامة. وكذلك كان شأنُ القبائل النازلة بالعراق وبالشام، مثل بَكْر وقُضَاعة وتَغْلِب، فإنهم كانوا مجتمعين حوالَي الحيرة والأنْبار والمدائن في العراق، وحوالَي جلَّق وبُصرى وحوران وصيداء وتَدْمُر بالشام.
فلما نزحت بهم الفتوحُ في العراق احتاجت القبائل النازحة التي لم تكن لها منازل هنالك إلى إيجاد مصر وسْط ديارهم، فلذلك أمر عمر قواده بتخطيط