فمِنْ مُفْرِطٍ ومقتصد، ومحمود فيما يأتيه ومذموم، وذلك على حسب نهوض الطبع بما يُحمَّل، ومدى قواه فيما يُطلب منه ويكلف. فمَنْ مال إلى الأول فلأنه أشبهُ بطرائق الأعراب لسلامته في السبك واستوائه عند الفحص، ومَنْ مال إلى الثاني فلدلالته على كمال البراعة والالتذاذ بالغرابة". (?)،

كلامُ المؤلف هنا مفصحٌ أتم الإفصاح، غيرُ محتاجٍ إلا إلى شرح مفرداته. فقوله: "أعملتِ القلوبَ"، أي جعلتها عاملة، والقلوب هي العقول. فالمراد بعملها هو التفكير في ترتيب المعاني للتعبير عنها، ولذلك أعقبه المؤلف بقوله: "وإذا جاشت العقولُ بمكنون ودائعها. . ." إلخ. وقوله: "لاختياره" متعلِّقٌ بقوله: "وخلي الطبع".

• "وأما تعجُّبُك من أبي تمام في اختيار هذا المجموع، وخروجه عن ميدان شعره، ومفارقته ما يهواه لنفسه، وإجماع نُقَّاد الشعر بعدَه على ما صحبه من التوفيق في قصده، فالقولُ فيه أن أبا تمام كان يختار ما يختاره لجودته لا غير، ويقول ما يقوله من الشعر بشهوته. والفرقُ بين ما يُشتهى وبين ما يُستجاد ظاهر، بدلالة أن العارف بالبَزِّ قد يشتهي لُبسَ ما لا يستجيده، ويستجيد ما لا يشتهي لُبسه، وعلى ذلك حالُ جميع أغراض الدنيا مع العقلاء العارفين بها في الاستجادة والاشتهاء. وهذا الرجلُ لم يعمِدْ من الشعراء إلى المشتهرين منهم دون الأغفال، ولا من الشعر إلى المتردِّدِ في الأفواه والمجيب لكل داع، فكان أمرُه أقرب. بل اعتسف في دواوين الشعراء، جاهليِّهم ومخضرمهم وإسلاميِّهم ومولَّدهم، فاختطف منها الأرواحَ دون الأشباح، واخترفَ الأثمارَ دون الأكمام، وجمع ما يوافِقُ نظمَه ويخالفه؛ لأن ضروبَ الاختيار لم تخفَ عليه وطرقَ الإحسان والاستحسان لم تستَتِرْ عنه" (?)،

ليست بعد هذا الكلام حاجةٌ إلى الشرح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015