وقوله: "فمنهم من قال أحسن الشعر أصدقه"، قال حسان بن ثابت، وربما نُسب إلى زهير:

وَإِنَّمَا الشِّعْرُ لُبُّ المَرْءِ يَعْرِضُهُ ... عَلَى البَرِيَةِ إِنْ كَيْسًا وَإِنْ حُمُقَا

وَإِنَّ أَشْعَرَ بَيْتٍ أَنْتَ قَائِلُهُ ... بَيْتٌ يُقَالُ إِذَا أَنْشَدْتَهُ: صَدَقَا (?)

يعني بذلك أن يكون الشعرُ تعبيرًا عن الأمر الواقع، وقد قدمنا الكلامَ عليه عند الكلام على شرف المعنى.

• "ويتبع هذا الاختلافَ ميلُ بعضهم إلى المطبوع، وبعضهم إلى المصنوع. والفرقُ بينهما أن الدواعي إذا قامت في النفوس وحركت القرائحَ، أعملتِ القلوبَ. وإذا جاشت العقولُ بمكنون ودائعها، وتظاهرت مكتسباتُ العلوم وضروريَّاتُها، نبعت المعاني ودَرَّت أخلافُها، وافتقرت خفياتُ الخواطر إلى جليات الألفاظ. فمتى رُفِض التكلُّفُ والتعمُّلُ، وخُلَّيَ الطبعُ المهذَّبُ بالرواية، المدرَّبُ في الدراسة لاختياره، فاسترسل غيرَ محمولٍ عليه ولا ممنوعٍ مما يميل إليه، أدَّى من لطافة المعنى وحلاوة اللفظ ما يكون صفوًا بلا كدَر، وعفوًا بلَا جُهد، وذلك هو الذي يُسمَّى المطبوع. ومتى جُعل زمامُ الاختيار بيد التعمُّل والتكلف، عاد الطبعُ مستخْدَمًا متمَلَّكًا، وأقبلت الأفكارُ تستحمله أثقالهَا، وتردده في قبول ما يؤديه إليها، مطالِبةً له بالإغراب في الصنعة، وتجاوز المألوف إلى البدعة، فجاء مؤداه وأثرُ التكلُّفِ يلوحُ على صفحاته، وذلك هو المصنوع. وقد كان يتفق في أبيات قصائدهم - من غير قصدٍ منهم إليه - اليسيرُ النَّزْر، فلما انتهى قرضُ الشعر إلى المحدَثين، ورأوا استغرابَ الناس للبديع على افتنانهم فيه، أُولِعوا بتورِّده إظهارًا للاقتدار، وذهابًا على الإغراب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015