هذا مقامٌ شاع خوضُ البلغاء فيه من عهد الجاهلية، وقد رُوِيتْ قصةُ طعنِ النابغة على حسان في عكاظ قولَ حسان - رضي الله عنه -:

لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى ... وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا (?)

إذ أخذَ عليه استعمالَ جمع القلة للجفنات، وأنه جعل لمَعانَها في الضحى، وكان عليه أن يقول: في الدُّجى. وهي مشهورةٌ في دواوين الأدب العربي، وقد ذكرها قدامة في باب المعاني الدال عليها الشعر (?).

وقد اختار أئمةُ الأدب الغلوَّ، كما صرح به المؤلفُ هنا، وسبقه إليه قدامةُ في "نقد الشعر" إذ يقول: "إن الغلوَّ عندي أجودُ المذهبين، وهو ما ذهب إليه أهلُ الفهم بالشعر والشعراء قديمًا"، قال: "وقد بلغني عن بعضهم أنه قال: أحسنُ الشعر أكذبُه". (?) والاستعارةُ مبنيةٌ على الكذب، وكذلك المبالغة. وعلى هذا الاختلاف جرى كلامُهم في المبالغة المقبولة والمردودة، كما هو مُبَيَّنٌ في فن البديع. وقد نَبَّهَ المرزوقيُّ - تبعًا لقُدامة - على أن مرادَهم بالأكذب هو الغلو، وهو كذبٌ تصاحبه قرينةٌ على أنه مخالفٌ للواقع لغرض لطيف، وليس مرادُهم الكذبَ مطلقًا (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015