من السيء. وهذا المعيار هو كقول علماء المعاني: إن تمييز الفصيح من غير الفصيح بعضُه يَبِينُ في علم اللغة أو التصريف، وبعضُه يُدرك بالحس. فظهر أن المعيار مجموعُ الشروط وطريقُ إدراكها.
• "فعيارُ المعنى أن يُعرَض على العقل الصحيح والفهم الثاقب" (?)، أي ضابطُ المعنى المشروط - فيما تقدم - بالشرف والصحة. يعني أن الوسيلةَ لتحصيل ملَكَةِ الحكم في استيفاء المعنى ما شُرِط فيه، هي أن يُعرض المعنى على "العقل الصحيح"، أي الفكر المستقيم. و"الفهم الثاقب" هو الفهم الذي لا تخفى عليه دقائقُ المعنى، ولا تلتبس عليه الحقائقُ المتقاربة؛ شُبِّه بآلة الثقب إذ تخترق الأجسامَ الصلبة، وهو يغوص إلى الحقائق التي يعسر فهمُها على غالب الأذهان. ومراده عقل الشاعر وفهمه، وهو المقصود، ومثلُه الكاتب. وكذلك عقلُ السامع، الذي هو من أهل الذوق والنقد الاختيار.
• "فإذا انعطف عليه جنبتا القبول والاصطفاء مستأنِسًا بقرائنه خرج وافيًا، وإلا انتقص بمقدار شوبه ووحشته" (?).
قوله: "فإذا انعطفَ عليه"، تفريعٌ على "أن يعرض على العقل الصحيح"، أي فإذا العطف عليه جَنَبَتَا قبولِ العقل الصحيح والفهم الثاقب إياه واصطفائه خرج وفيًا إلخ. . . وأراد بهذا إعادةَ التنبيه على أن المعنى لَمَّا كان غيرَ مستغن عن كلام يقع فيه، فجودةُ المعنى مفتقرةٌ إلى جودة الكلام الذي يدل عليه.
واستعار الانعطافَ - الذي حقيقتُه الميلُ والمحبة - لمعنى الرِّضا به والموافقة، أي فإذا صادف المعنى من نفس عقل الشاعر صاحب الذوق المكين وفهمه قبولًا ورضًا، فذلك المعنى وافٍ بشرط الكمال لنوعه، وهو الصحةُ والشرف.