و"الجنبتان" تثنيةُ جنبة بسكون النون وفتحها، وهي الجانب. أي إذا وافقه جانِبَا القبول والاصطفاء. ووقع في نسخة الآستانة "جُبَّتَا القبول" تثنية جبة، وهي ثوبٌ له جيب، وكان يُلبس فوق الثياب الداخلية. ونسخة "جَنَبتا" أولى، وهي مماثلة لقول أبي العباس المبرد في أول بابٍ من الكامل في اللفظ الغريب إذ قال: "فإذا انعطفت عليه جنبتا القول غطتا على عَوَاره" إلخ (?).
وإضافة جَنبَتَا أو جُبَّتَا إلى القبول والاصطفاء إضافةٌ بيانية؛ لأنَّ المضافَ عينُ المضاف إليه. واستعارةُ جَنبَتَا للقبول والاصطفاء؛ لأن القبولَ والاصطفاء أشبها جانبين يحيطان بالمعنى ويحضنانه. واستعارة جُبَّتَا لهما؛ لأنهما أشبها ما يكتسي به المعنى بهجة. وقد أشار بـ "القبول" إلى صحة المعنى؛ لأن المعنى لا يُقبل إلا إذا كان صحيحا. وكَنَّى بالاصطفاء عن شرف المعنى؛ لأنه إذا جاء شريفًا كان مرضيًا في نفس المخترع فيما يقول، والسامع فيها يسمع، والناقد فيها يختار.
وقوله "مستأنِسًا" - بكسر النون - حالٌ من ضمير "عليه"، ويجوز فتحُ النون أيضًا، على معنى أن قائلَه اصطفاه وقبله واستأنس بما معه. و"الاستئناس" التأنُّس، وهو ضد الوحشة. وكَنَّى به هنا عن المماثلة؛ لأن المماثلةَ تستلزم التأنسَ بالمثل، إذ الشَّيْءُ يألف مثيلَه. فالمراد المماثلة في الصفة بين المعنى المقبول المصطفى وبين ما يقترن به من المعاني، حتى يكون الكلامُ كلُّه مُفْرَغًا في قالب واحد من الكمال، ولا يكون بعضُ معانيه مقبولًا وبعضُها مكروهًا، وذلك ما سماه رؤبة بـ "القران" كما سيأتي.
و"القرائن" جمع قرينة، من الاقتران وهو الاجتماع، وأنث القرائن على تأويله بالكلمات. وبمقدار ما يقترن بالمعاني المرتضاة من معان مكروهة، ينقُص الكلامُ نقصًا قليلًا أو كثيرًا، ويُوحِش السامعَ والناقد.