أراد التعبيرَ بابتكار مماثلاتٍ لها جديدة، أو بتصرفٍ فيها يغيرها عن حالتها السابقة تصرفًا كثيرًا أو قليلًا، ويندفع إليها ذهنُه سريعا.

ومن أكبر أسباب شرف المعنى أن يكون مبْتَكَرًا غيرَ مسبوق، ثم أن يكون بعضُه مبتكرًا وبعضُه مسبوقًا، وبمقدار زيادة الابتكار فيه على المسبوقية يدنو من الشرف. ولبشار وأبي تمام وأبي الطيب ابتكاراتٌ كثيرة، ويقرُب من ذلك أبو نواس وابن الرومي ثم المعري.

فإذا أنشأ ذوقُ البليغ معنًى، لاحت له منه محاسنُ المعنى ونقائصُه ومعائبه، فاحتفظ بالمحاسن، وأكمله عن النقائص، ومحا عنه المعائب. فإذا تقوَّم فيه ما مِنْ شأنه أن يفيَ بأمله من إرضاء السامعين من أهل الصناعة وامتلاك استحسانهم، فرأوه مَحُوكًا على منوال ما يحوك على مثله البلغاءُ فيما انتهت إليه مزاولتُه ودربته، وثق بأنه معنى شريف.

فعُلِمَ أن شروطَ شرف المعاني تختلف باختلاف محالِّها من أغراض الكلام: من إثارة حماس، أو استعطاف وإبساس (?)، أو غزل، أو نسيب، أو فخر، أو ذب عن شرف، أو نحو ذلك. قال ابنُ الأثير في المثل السائر: "إن الكاتبَ أو الشاعر ينظر إلى الحال الحاضرة، ثم يستنبط لها ما يناسبها من المعاني". (?) وهذا عملٌ محتاجٌ إلى صفاء قريحة، وكرم سجية، وطول دربة، وحسن اقتداء، وتمييزٍ بين المقبول والمرفوض. وقد ذكر ابن الأثير في "المثل السائر" من المعنَى الشريف قولَ أبي الطيب:

تَلَذُّ لَهُ المُرُوءَةُ وَهْيَ تُؤْذِي ... وَمَنْ يَعْشَقْ يَلَذُّ لَهُ الغَرَامُ (?)

لولا لفظة تؤذي فيه؛ فإنها تؤذي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015